للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ [القمر: ٣٧] فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون إن في بيت لوط سحرة. ثم بين نزول العذاب ووجه خلاص لوط وأهله فقال: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ الباء للتعدية إن كانت الهمزة للوصل من السرى، أو زائدة وإن كانت للقطع من الإسراء. بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ عن ابن عباس: أي في آخر الليل بسحر. وقال قتادة: بعد طائفة من الليل. وقيل نصف الليل كأنه قطع نصفين وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أي لا ينظر إلى ما وراءه إِلَّا امْرَأَتَكَ أكثر القراء على النصب فاعترض بأن الفصيح في مثله هو البدل لأن الكلام غير موجب فكيف اجتمع القراء على غير فصيح؟ فأجاب جار الله بأن الرفع بدل من أَحَدٌ على القياسي والنصب مستثنى من قوله: فَأَسْرِ لا من قوله لا يَلْتَفِتْ وزيف بأن الاستثناء من فَأَسْرِ يقتضي كونها غير مسرى بها، والاستثناء من لا يَلْتَفِتْ يقتضي كونها مسريا بها لأن الالتفات بعد الإسراء فتكون مسريا بها غير مسرى بها. ويمكن أن يجاب بأن فَأَسْرِ وإن كان مطلقا في الظاهر إلا أنه في المعنى مقيد بعدم الالتفات إذ المراد أسر بأهلك إسراء لا التفات فيه إلا امرأتك فإنك تسري بها إسراء مع الالتفات، فاستثن على هذا إن شئت من فَأَسْرِ وإن شئت من لا يَلْتَفِتْ ولا تناقض.

وبعضهم- كابن الحاجب- جعل إِلَّا امْرَأَتَكَ في كلتا القراءتين مستثنى من لا يَلْتَفِتْ ولم يستبعد اجتماع القراء على قراءة غير الأقوى. ويمكن أن يقال: إنما اجتمعوا على النصب ليكون استثناء من فَأَسْرِ إذ لو جعل استثناء من لا يَلْتَفِتْ لزم أن تكون مأمورة بالالتفات لأن القائل إذا قال لا يقم منكم إلا زيد كان ذلك أمرا لزيد بالقيام اللهم إلا أن يجعل الاستثناء منقطعا على معنى ولا يلتفت منكم أحد لكن امرأتك تلتفت فيصيبها ما أصابهم، وإذا كان هذا الاستثناء منقطعا كان التفاتها موجبا للمعصية. قاله في الكشاف.

وروي أنه أمر أن يخلفها مع قومها فلم يسر بها. واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين.

أقول: في هذا الكلام خلل لا يمكن اجتماعهما على الصحة، والقراءتان يجب اجتماعهما على الصحة لتواتر القراآت كلها.

روي أنها لما سمعت هدّة العذاب أي صوته التفتت وقالت: يا قوماه. فأدركها حجر فقتلها.

وقيل: المراد بعدم الالتفات قطع تعلق القلب عن الأصدقاء والأموال والأمتعة. فعلى هذا يصح الاستثناءان من غير شائبة التناقض كأنه أمر لوطا أن يخرج بقومه ويترك هذه المرأة فإنها هالكة من الهالكين. ثم أمر أن يقعطوا العلائق وأخبر أن امرأته تبقى متعلقة القلب بها.

يروى أنه قال لهم متى موعد هلاكهم فقيل له إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ فقال أريد أسرع من ذلك فقالوا: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟ فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا بإهلاكهم جَعَلْنا أي جعل

<<  <  ج: ص:  >  >>