للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعمالكم لأجازيكم إنما أنا مبلغ ناصح وقد أعذر من أنذر. قوله: أَصَلاتُكَ قيل: أي دينك وإيمانك لأن الصلاة عماد الدين فعبر عن الشيء باسم معظم أركانه. وقيل: المراد الأتباع لأن أصل الصلاة ومنه المصلي للذي يتلو السابق والمعنى دينك أي أتباعه يأمرك بذلك. والأظهر أن المراد به الأعمال المخصوصة

يروى أن شعيبا عليه السلام كان كثير الصلاة فكان قومه إذا رأوه يصلي تغامزوا وتضاحكوا

فقصدوا بقولهم: أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ السخرية والهزء فكأن الصلاة التي يداوم عليها ليلا ونهارا هي من باب الجنون والوساوس. ومعنى تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ تأمرك بتكليف أن نترك على حذف المضاف لأن الإنسان لا يؤمر بفعل غيره. وقوله أَوْ أَنْ نَفْعَلَ معطوف على ما في ما يعبد أي تأمرك صلاتك بترك ما عبد آباؤنا وبترك أن نفعل فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا روي أنه كان ينهاهم عن قطع أطراف الدراهم كما كان يأمرهم بترك التطفيف والاقتناع بالحلال القليل من الحرام الكثير. إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قيل: إنه مجاز والمراد نسبته إلى غاية السفاهة والغواية فعكسوا تهكما به. وقيل: حقيقة وإنه كان معروفا فيما بينهم بالحلم والرشد فكأنهم قالوا له: إنك المعروف بهذه السيرة فكيف تنهانا عن دين ألفناه وسيرة تعودناها.

ثم أشار عليه السلام إلى ما آتاه الله من العلم والهداية والنبوة والكرامة والرزق الحلال الحاصل من غير بخس ولا تطفيف، وجواب الشرط محذوف اكتفي عنه بما ذكر في قصتي نوح وصالح، والمعنى أرأيتم إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي وقد آتاني بعد هذه السعادات الروحانية السعادات الدنيوية من الخيرات والمنافع الجليلة هل يسعني مع هذه الإكرامات أن أخون في وحيه ولا آمركم بترك الشرك وبفعل الطاعة والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك؟ وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ يقال: خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه. فالمعنى لا أجعل فعلي مخالفا لقولي فلا أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ إلا أن أصلحكم بالموعظة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مَا اسْتَطَعْتُ ما للمدة ظرفا للإصلاح أي مدة استطاعتي لإصلاحكم، أو بدل من الإصلاح أي المقدار الذي استطعته منه، أو المضاف محذوف أي إلا الإصلاح إصلاح ما استطعت، أو مفعولا للإصلاح فقد يعمل المصدر المعرف كقوله:

ضعيف النكاية أعداءه. أي إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فاسدكم. ثم بين أن كل ما يأتي ويذر فوقوعه بتسهيل الله وتأييده فقال: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ والتوفيق أن توافق إرادة العبد إرادة الله تعالى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ أخصه بتفويض الأمور إليه لأنه مبدأ المبادئ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ لأنه المعاد الحقيقي وفي ضمنه تهديد للكفار وحسم لأطماعهم منه. ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>