للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإحباط، لأن من آمن وعمل صالحا استحق الثواب الدائم فلو فرض إحباط بكفره لاستحق العقاب الدائم والجميع بينهما محال، ولا يخفى ضعف هذا المذهب، فإن الأمور بخواتيمها

قال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار» «١»

وإنما الأعمال بالخواتيم. والجنة البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه والتركيب دائر على معنى الستر كأنها فعلة من جنه إذا ستره. وسميت دار الثواب كلها جنة فيها من الجنان على حسب استحقاقات العاملين لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان، فلهذا نكرت. والنهر: المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر. يقال لبردى نهر دمشق، وللنيل نهر مصر. واللغة العالية الغالبة النهر بفتح الهاء ومدار التركيب على السعة. وإسناد الجري إلى الأنهار من الإسناد المجازي، لأن الجاري هو الماء وكذا من تحتها أي من تحت أشجارها. وأنزه البساتين وأكرمها منظرا ما كانت أشجارها مظللة والأنهار في خلالها مطردة، ولو لاها كانت كتماثيل لا أرواح فيها، وصور لا حياة لها. وإنما عرفت الأنهار لأن المراد بها الجنس كما تقول لفلان بستان فيه الماء الجاري والتين والعنب وألوان الفواكه تشير إلى الأجناس التي في علم المخاطب، أو يراد بها أنهارها فعوض التعريف باللام من تعريف الإضافة مثل وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: ٤] أو يشار باللام إلى الأنهار المذكورة في قوله فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد: ١٥] الآية. وكُلَّما رُزِقُوا إما صفة ثانية لجنات، أو خبر مبتدأ محذوف أي هم كلما رزقوا، أو جملة مستأنفة لأنه لما قيل إن لهم جنات لم يخل خلد السامع أن يقع فيه أثمار تلك الجنات أشباه ثمار جنات الدنيا أم أجناس أخر لا تشابه هذه الأجناس، فقيل: إن ثمارها أشباه ثمار جنات الدنيا أي أجناسها وإن تفاوتت إلى غاية لا يعلمها إلا الله. و «من» في مِنْها وفي مِنْ ثَمَرَةٍ لابتداء الغاية كما لو قلت: رزقني فلان فيقال: من أين؟ فتقول: من بستانه. فيقال: من أي ثمرة؟ فتقول: من الرمان.

فالرزق قد ابتدئ من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدئ من ثمرة وليس المراد بالثمرة التفاحة الواحدة والرمانة الفذة على هذا التفسير، وإنما المراد النوع من أنواع الثمار، ووجه اخر وهو أن يكون مِنْ ثَمَرَةٍ بيانا على منهاج قولك «رأيت منك أسدا» تريد أنت أسد.

وعلى هذا يصح أن يراد بالثمرة النوع من الثمار والجناة الواحدة، لأن التفاحة الواحدة مثلا يصدق عليها أنها رزق، كما أن نوع التفاح يصدق عليه ذلك، بخلاف ابتداء الرزق من الجنات فإن ذلك إنما يكون بنوع التفاح أولا، وبالذات وبشخصه ثانيا، وبالعرص لأن


(١) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>