بين هذا الوصف والوصف الأول أن هذا يدل على حضور الناس فيه مع اطلاع البعض منهم على أحوال الباقين من المحاسبة والمساءلة ليس بحيث لا يعرف كل واحد إلا واقعة نفسه. والجمع المطلق لا يفيد هذا المعنى وإنما فسرنا اليوم بأنه مشهود فيه لا أنه مشهود في نفسه لأن سائر الأيام تشركه في كونها مشهودات، وإنما يحصل التمييز بأنه مشهود فيه دون غيره كما تميز يوم الجمعة عن أيام الأسبوع بكونه مشهودا فيه دونها وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لانتهاء لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ أي انقضاء مدة معلومة عيّن الله وقوع الجزاء بعدها وفيه فائدتان: إحداهما أن وقت القيامة متعين لا يتقدم ولا يتأخر، والثانية أن ذلك الأجل متناه وكل منتاه فإنه يفنى لا محالة وكل آت قريب. ثم ذكر بعض أهوال ذلك اليوم فقال: يَوْمَ يَأْتِ حذف الياء والاكتفاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل، وفاعل يأتي قيل: الله كقوله: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام: ١٥٨] أي أمره أو حكمه دليله قراءة من قرأ وما يؤخره بالياء وقوله: بِإِذْنِهِ. وقيل: المراد الشيء المهيب الهائل المستعظم فحذف ذكره بتعيينه ليكون أقوى في التخويف. وقيل: فاعله ضمير اليوم والمراد إتيان هو له وشدائده كيلا يصير اليوم ظرفا لإتيان اليوم. وانتصاب يَوْمَ ب لا تَكَلَّمُ أو باذكر مضمرا أو بالانتهاء المقدر أي ينتهي الأجل يوم يأتي وتاء التأنيث محذوفة من لا تكلم، والآيات الدالة على التكلم في ذلك اليوم مع الآيات الدالة على نفي التكلم كقوله تعالى:
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها [النحل: ١١١] وكقوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ [المرسلات: ٣٥] محمولة على اختلاف المواطن والأزمنة، أو نفى العذر الصحيح المقبول وأثبت العذر الباطل الكاذب. ثم قسم أهل الموقف المجموعين للحساب أو الأفراد العامة التي دلت عليها نفس فقال: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ أي ومنهم سعيد. ولا خلاف في أن الشقاء والسعادة مقترنان بالعمل الفاسد والعمل الصالح ويترتب عليهما الجنة والنار في الآخرة، وإنما النزاع في أن العمل سبب للشقاء مثلا كما هو مذهب المعتزلة، أو الشقاء سبب العمل كما هو مذهب أهل السنة، فيختلف تفسير الشقاء بحسب المذهبين فهو عند المعتزلة الحكم بوجوب النار له لإساءته، وعند السني جريان القلم عليه في الأزل بأنه من أهل النار وأنه يعمل عمل أهل النار والتحقيق في المسألة قد مر مرارا. قيل: قد بقي هاهنا قسم آخر ليسوا من أهل النار ولا من أهل الجنة كالمجانين والأطفال فهم أصحاب الأعراف، وتخصيص القسمين بالذكر لا يدل على نفي الثالث. أما قوله في صفة أهل النار لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ففيه وجوه قال الليث وكثير من الأدباء: الزفير استدخال الهواء الكثير لترويح الحرارة الحاصلة في القلب بسبب انحصار الروح فيه