للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن الفساد وذلك قوله: فَلَوْلا أي فهلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ ذوو خير ورشد وفضل، وذلك أن الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله فصارت البقية مثلا في الجودة. يقال: فلان من بقية القوم أي من خيارهم.

ومن أمثالهم «في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا» . وجوّز في الكشاف أن يكون من البقوى كالتقية في التقوى أي فهلا كان منهم ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله وعقابه إِلَّا قَلِيلًا استثناء متصل لأن في تحضيضهم على النهي عن الفساد معنى نفيه عنهم فكأنه قيل: ما كان من القرون ناس ناهون إلا ناسا قليلا. ومن في مِمَّنْ أَنْجَيْنا للبيان أي هم الذين أنجيناهم. قال في الكشاف: لأن النجاة إنما هي للناهين وحدهم.

ولقائل أن يقول: إذا كان النهي عن المنكر فرض كفاية لم يلزم أن تنحصر النجاة في الناهين؟ فيحتمل أن تكون من للتبعيض ويجوز- على ما في الكشاف- أن يكون الاستثناء منقطعا معناه ولكن قليلا ممن أنجيناه من القرون نهوا عن الفساد. قال: ولو جعلته متصلا على ما عليه ظاهر الكلام كان المعنى فاسدا لأنه يكون تحضيضا لأولي البقية على النهي عن الفساد إلا للقليل من الناجين منهم كما تقول: هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم. تريد استثناء الصلحاء من المحضضين على قراءة القرآن. أقول: لم لا يجوز أن يكون المراد من استثناء الصلحاء منهم أنه لا حاجة لهم إلى التحضيض كأنك قلت:

أحضض قومك على القراءة إلا الصلحاء فإنهم لا يحتاجون إلى ذلك لأنهم مواظبون عليها، على أن في جعل الاستثناء منقطعا شبه تناقض، لأن أول الكلام يدل على أنه لم يكن فيهم ناه وآخره يدل على أن القليل منهم قد نهوا فتأمل في هذا المقام فإنه من مزلة الأقدام. السبب الثاني: في نزول العذاب قوله: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا ما غرقوا فِيهِ من التنعم والتترف من حيث الرياسة والثروة وأسباب العيش الهنيّ ورفضوا ما وراء ذلك مما يتعلق بأمر الدين، فهذه الجملة معطوفة على مدلول الجملة التحضيضية أي ما كان من القرون ناس كذا واتبع الظالمون كذا. ويجوز أن يكون في الكلام إضمار والواو للحال كأنه قيل: أنجينا القليل وقد اتبع الذين ظلموا جزاء إترافهم. والمترف الذي أبطرته النعمة، وصبي مترف منعم البدن. وقوله: وَكانُوا مُجْرِمِينَ إما معترضة وإما معطوف على اتَّبَعَ أي وكانوا مجرمين بذلك، أو على أُتْرِفُوا أي اتبعوا الإتراف. وكونهم مجرمين لأن تابع الشهوات مغمور بالآثام، أو أريد بالإجرام إغفالهم للشكر. ثم بين أنه ما ينبغي له سبحانه أن يهلك القرى بظلم. قال أهل السنة: أي بسبب مجرد الشرك والحال أنهم مصلحون في المعاملة والعشرة فيما بينهم، وذلك أن حقوق الله تعالى مبنية على

<<  <  ج: ص:  >  >>