للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمشاهدات والأسرار والإشارات والإلهامات وغيرها من المواهب، وإنهم يشاهدون أحوالا شتى في صورة واحدة من ثمرات مجاهداتهم، فيقول بعض المتوسطين منهم: إن هذا المشهد هو الذي شاهدته قبل هذا، فتكون الصورة تلك الصورة ولكن المعنى حقيقة أخرى، كما أن موسى شاهد نور الهداية في صورة نار فتكون تارة تلك النار نار صفة غضبية كما كان لموسى، إذا اشتد غضبه اشتعلت قلنسوته نارا، وتارة تكون نار المحبة تقع في محبوبات النفس فتحرقها، وتارة تكون نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فتحرق عليهم بيت وجودهم فافهم. وأيضا، كل شيء له صورة في الدنيا فله في الآخرة معنى آخر غيبي

كقوله صلى الله عليه وسلم في دماء الشهداء «اللون لون الدم والريح ريح المسك» «١» فاعلم.

وقوله وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً جملة معترضة تفيد زيادة التقرير كقولك «فلان أحسن إلى فلان ونعم ما فعل» والمراد بتطهير الأزواج تطهيرهن من الأقذار والأدناس لا سيما التي تختص بالنساء، وكذا من الأخلاق الذميمة وعادات السوء. وهما لغتان فصيحتان «النساء فعلن» و «هن فاعلات» و «النساء فعلت» و «هي فاعلة» والمعنى: ولهم جماعة أزواج مطهرة. وفي مُطَهَّرَةٌ فخامة لصفتهن ليست فيما لو قيل طاهرة وهي الإشعار بأن مطهرا طهرهن وليس ذلك إلا الله عز وجل المريد لعباده أن يخولهم كل مزية فيما أعد لهم. وهاهنا نكتة وهي، أن المرأة إذا حاضت فالله تعالى يمنع من مباشرتها قال: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة: ٢٢٢] مع أنها معذورة في تنجسها. فإذا كانت اللواتي في الجنة مطهرات فلأن يمنعك عنهن، إذا كانت نجسا بالمعاصي مع أنك غير معذور فيها كان أولى. وأيضا من قضى شهوته من الحلال فإنه يمنع من الدخول في المسجد الذي يدخل فيه كل بر وفاجر، فمن قضى شهوته من الحرام كيف يمكن من دخول الجنة التي لا يسكنها إلا المطهرون؟ وكفى دليلا على ذلك بإخراج آدم منها بسبب الزلة الصادرة عنه. وأيضا من كان على ثوبه ذرة من النجاسة لا تجوز صلاته أو تستكره، فكيف بمن صلى وعلى قلبه جبال من نجاسات الذنوب والمعاصي؟ والخلد عند المعتزلة الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع بدليل قوله تعالى وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء: ٣٤] نفى الخلد عن البشر مع تعمير بعضهم وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [الحج: ٥] وعند الأشاعرة: الخلد هو الثبات الطويل، دام أو لم يدم. ولو كان التأبيد داخلا في مفهوم الخلد كان قوله خالِدِينَ فِيها أَبَداً تكرارا. ويقال في العرف: حبسه حبسا مخلدا، أو وقف وقفا مخلدا. والحق أن خوف الانقطاع ينغص النعمة وذلك لا يليق بأكرم الأكرمين.


(١) رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب ٤٠. الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ٢١. النسائي في كتاب الجهاد باب ٢٥. الموطأ في كتاب الجهاد حديث ٢٩. أحمد في مسنده (٥/ ٢٣١، ٢٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>