للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو وكيف تكون عاقبته أهو ضار أم نافع وأن فيه سما أم لا. فقد روي أن الملك كان إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاما مسموما فأرسله إليه. ثم قال: ذلِكُما أي هذا التأويل والإخبار بالمغيبات من قبيل الوحي والإلهام لا من التكهن والتنجيم الذي يكثر فيهما وقوع الخطأ. ثم بيّن سيرته وملته مشيرا فيه إلى أنه رسول من عند الله ومنبها على أن الاشتغال بمصالح الدين أهم من الاشتغال بمصالح الدنيا حتى إن الرجل الذي سيصلب لعله يسلم فلا يموت على الكفر فقال: إِنِّي تَرَكْتُ أي رفضت بل ما كنت قط، ويجوز أن يكون قبل ذلك غير مظهر للتوحيد خوفا منهم لأنه كان تحت أيديهم. وإنما كررت لفظة «هم» تنبيها على أنهم مختصون في ذلك الزمان بإنكار المعاد وتعريضا بأن إيداعه السجن بعد معاينة الآيات الشاهدة على براءته لا يصدر إلا عمن ينكر الجزاء أشد الإنكار. والمراد باتباع ملة آبائه الاتباع في الأصول التي لا تتبدل بتبدل الشرائع، ومعنى التنكير في قوله:

مِنْ شَيْءٍ الرد على كل طائفة خالفت الملة الحنيفية من عبدة الأصنام والكواكب وغيرهم ذلِكَ التوحيد مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ نعمة الإيمان أو نعمة إعطاء القدرة والاختيار على الإيمان فلا ينظرون في الدلائل، وهذا يناسب أصول المعتزلة. وعن بعضهم إنا لا نشكر الله على الإيمان بل الله يشكرنا عليه كما قال: فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء: ١٩] .

يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أراد يا صاحبي السجن كقوله «يا سارق الليلة» خصهما بهذا النداء لأنهما دخلا السجن معه أو أراد يا ساكني السجن كقوله: أَصْحابَ النَّارِ [الأعراف: ٤٤] فسبب التعيين أنهما استفتياه من بين الساكنين. ثم أنكر عليهم عبادة الأصنام فقال: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ في العدد وفي الحجمية وفيما يتبعها من اختلاف الأعراض والأبعاض خَيْرٌ إن فرض فيهم خير أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ لأن وحدة المعبود تستدعي توحيد المطلب وتفريد المقصد، وكونه قهارا غالبا غير مغلوب من وجه يوجب حصول كل ما يرجى منه من ثواب وصلاح إذا تعلقت إرادته بذلك فلا يصلح للمعبودية إلا هو ولا تصلح حقيقة الإلهية في غيره فلذلك قال: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أي سميتم الآلهة بتلك الأسماء أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ والخطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر فكأنهم لا يعبدون إلا أسماء فارغة عن المسميات ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها بتسميتها مِنْ سُلْطانٍ أي حجة. ثم لما نفى معبودية الغير بين أن لا حكم في أمر الدين والعبادة إلا له فقال: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ثم ذكر ما حكم به فقال: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الثابت بالبراهين وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنه مبدأ المبادئ والمعاد الحقيقي فيتخذون غيره معبودا ويجعلون لغيره من الأصنام والأجرام

<<  <  ج: ص:  >  >>