غلب على ظنونهم أنهم أخذوها، أو المؤذن ذكر ما ذكر على سبيل الاستفهام، أو المراد أنهم سرقوا يوسف عليه السلام من أبيهم، أو المراد أن فيكم سارقا وهو الأخ الذي رضي بذلك البهتان فلا ذنب لأن الخصم رضي بأن يقال في حقه ذلك. ثم إن إخوة يوسف قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ قيل: صواع اسم للصاع والسقاية وصف وَلِمَنْ جاءَ بِهِ أي بالصواع حِمْلُ بَعِيرٍ من طعام جعلا لمن حصله وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ كفيل هو من قول المؤذن وفيه أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم أيضا إذا كان معلوما فكأن حمل بعير كان عندهم شيئا معلوما كوسق مثلا إلا أن هذه كفالة مال لرد السرقة وهو كفالة ما لم يجب لأنه لا يحل للسارق أن يأخذ شيئا على رد السرقة ولعل مثل هذه الكفالة كانت تصح عندهم قالُوا تَاللَّهِ التاء مبدلة من الواو فضعفت عن التصرف في سائر الأسماء وجعلت فيما هو أحق بالقسم وهو اسم الله عز وجل. حلفوا على أمرين معجبين: أحدهما أنهم علموا أن إخوة يوسف ما جاءوا لأجل الفساد في الأرض بالنهب والغصب ونحو ذلك حتى روي أنهم دخلوا وأفواه دوابهم مشدودة خوفا من أن تتناول زرعا أو طعاما لأحد في الطرق والأسواق، وكانوا مواظبين على أنواع الطاعات ورد المظالم حتى حكي أنهم ردوا بضاعتهم التي وجدوها في رحالهم. وثانيهما أنهم ما وصفوا قط بالسرقة. قالُوا أي أصحاب يوسف: فَما جَزاؤُهُ قال في الكشاف: الضمير للصواع والمضاف محذوف أي فما جزاء سرقته إن كنتم من الكاذبين في جحودكم وادعائكم البراءة؟ قلت: ويحتمل أن يعود إلى السارق، وكان حكم السارق في آل يعقوب أن يسترق سنة فلذلك استفتوا في الجزاء حتى قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ أي جزاؤه الرق. قال الزجاج: وقوله فَهُوَ جَزاؤُهُ زيادة في البيان أي فأخد السارق نفسه هو جزاؤه لا غير كما يقال حق السارق القطع جزاؤه لتقرر ما ذكر من استحقاقه، ويجوز أن يكون مبتدأ وباقي الكلام جملة شرطية مرفوعة المحل بالخبرية على أن الأصل جزاؤه من وجد في رحله فهو هو ليكون الضمير الثاني عائد إلى المبتدأ والأول إلى «من» ولكنه وضع المظهر مقام المضمر للتأكيد والمبالغة. وجوز في الكشاف أن يكون جَزاؤُهُ خبر مبتدأ محذوف أي المسئول عنه جزاؤه، ثم أفتوا بقولهم من وجد في رحله فهو جزاؤه. أما قوله: كَذلِكَ أي مثل ذلك الجزاء نَجْزِي الظَّالِمِينَ فيحتمل أن يكون من بقية كلام إخوة يوسف وأن يكون من كلام أصحاب يوسف والله أعلم.
ثم قال لهم المؤذن ومن معه: لا بد من تفتيش أوعيتكم فانصرف بهم إلى يوسف فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ لنفي التهمة والوعاء كل ما إذا وضع فيه شيء أحاط به.