للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التناجي في أنفسهم لاستجماعهم بذلك واندفاعهم فيه بجد واهتمام كما يقال: رجل جور ورجال عدل، أو صفة لموصوف محذوف أي فوجا نجيا بمعنى مناجيا بعضهم لبعض كالعشير بمعنى المعاشر. وفيم كان تناجيهم؟ الجواب في تدبير أمرهم على أيّ وجه يذهبون وماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم فعند ذلك قالَ كَبِيرُهُمْ في السن وهو روبيل، أو في القدر وهو شمعون لأنه كان رئيسهم، أو في العقل والرأي وهو يهوذا.

وقوله: ما فَرَّطْتُمْ إما أن تكون «ما» صلة أي ومن قبل هذا قصرتم فِي شأن يُوسُفَ ولم توفوا بعهدكم أباكم، وإما أن تكون مصدرية محله الرفع على الابتداء وخبره بالظرف تقديره ومن قبل تفريطكم أي وقع من قبل تقصيركم في حقه، أو النصب عطفا على مفعول ألم تعلموا كأنه ألم تعلموا أخذ أبيكم عليكم موثقا وتفريطكم من قبل، وإما أن تكون موصولة بمعنى ومن قبل هذا ما فرطتموه أي قدمتموه في شأن يوسف من الجناية والخيانة ومحل الموصول الرفع أو النصب على الوجهين. فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ فلن أفارق أرض مصر حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي في الانصراف أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بالخروج منها أو بالانتصاف من أخذ أخي أو بخلاصه من يده بسبب من الأسباب.

ثم إنه بقي ذلك الكبير في مصر وقال لغيره من الإخوة: ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ قاله بناء على ما شاهد من استخراج الصواع من وعائه، أو أراد أنه سرق في قول الملك وأصحابه كقول قوم شعيب إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود: ٨٧] أي في زعمك واعتقادك، أو المراد إن ابنك ظهر عليه ما يشبه السرقة. وإطلاق اسم أحد الشبيهين على الآخر جائز أو القوم ما كانوا حينئذ أنبياء فلا يبعد منهم الذنب. وعن ابن عباس أنه قرأ سَرَقَ مشددا مبنيا للمفعول أي نسب إلى السرقة. وعلى هذا فلا إشكال، ومما يدل على أنهم بنوا الأمر على الظاهر قوله وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا أي إلا بقدر ما تيقناه من رؤية الصواع في وعائه وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ للأمر الخفي حافِظِينَ فإن الغيب لا يعلمه إلا الله. وعن عكرمة أن الغيب الليل معناه لعل الصواع دس في رحله بالليل من حيث لا يشعر، أو ما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الموثق قاله مجاهد والحسن وقتادة، أو ما علمنا أنا إذا قلنا إن شرع بني إسرائيل هو استرقاق السارق أخذ أخونا بتلك الحيلة.

ثم بالغوا في إزالة التهمة فقالوا: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها الأكثرون على أنها مصر.

وقيل: قرية على باب مصر وقع فيها التفتيش أي أرسل إلى أهلها فاسألهم عن كنه القصة وَاسأل أصحاب الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب.

وقيل: قوما من أهل صنعاء. وقال ابن الأنباري: إن يعقوب كان من أكابر الأنبياء فلا يبعد أن يحمل سؤال القرية على الحقيقة بأن ينطق الله الجمادات لأجله معجزة، فالمراد اسأل

<<  <  ج: ص:  >  >>