للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد رأى أمارات الرشد والكمال في يوسف فعلم أن رؤياه صادقة لا تخطىء. وقال السدي:

أخبره بنوه بسيرة الملك وكمال حاله في أقواله وأفعاله أنه ابنه، أو علم أن بنيامين لا يسرق وسمع أن الملك ما آذاه فغلب على ظنه أن الملك هو يوسف. وقيل: أوحى الله تعالى إليه أنه سيلقى ابنه ولكنه ما عين الوقت فلذلك قال ما قال. ثم دعا بنيه على سبيل التلطف فقال: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وهو طلب الشيء بالحاسة كالتسمع والتبصر ومثله التجسس بالجيم. وقد قرىء بهما وربما يخص الجيم بطلب الخبر في ضد الخير وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ من فرجه وتنفيسه وقرىء بالضم أي من رحمته التي تحيا بها العباد. قال الأصمعي: الروح ما يجده الإنسان من نسيم الهواء فيسكن إليه، والتركيب يدل على الحركة والهزة فكل ما تهتز بوجوده وتلتذ به فهو روح إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ لأن هذا اليأس دليل على أنه اعتقد أن الله تعالى غير قادر على كل المقدورات، أو غير عالم بجميع المعلومات، أو ليس بجواد مطلق ولا حكيم لا يفعل العبث، وكل واحدة من هذه العقائد كفر فضلا عن جميعها اللهم إني لا أيأس من روحك فافعل بي ما أنت أهله. ثم هاهنا إضمار والتقدير فقبلوا وصية أبيهم وعادوا إلى مصر فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ أي الملك القادر المنيع مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ الفقر والحاجة إلى الطعام وعنوا بأهلهم من خلفهم وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها من أزجيته إذا دفعته قال سبحانه أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً [النور:

٤٣] ومنه قولهم: «فلان يزجي العيش» أي يدفع الزمان بالقليل. قال الكلبي: هي من لغة العجم. وقيل: لغة القبط. والأصح أنها عربية لوضوح اشتقاقها. قيل: كانت بضاعتهم الصوف والسمن. وقيل: الصنوبر والحبة الخضراء. وقيل: سويق المقل والأقط. وقيل:

دراهم زيوفا لا تؤخذ إلا بنقص لأنها لم يكن عليها صورة يوسف وكانت دراهم مصر ينقش عليها صورته. فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ الذي هو حقنا. وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا واعلم أنهم طلبوا المسامحة بما بين الثمنين وأن يسعر لهم بالرديء كما يسعر بالجيد. واختلف العلماء في أنه هل كان ذلك منهم طلب الصدقة؟ فقال سفيان بن عيينة: إن الصدقة كانت حلالا على الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: أرادوا بالصدقة التفضل بالإغماض عن رداءة البضاعة وبإيفاء الكيل والصدقات محظورة على الأنبياء كلهم. وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ يمكن تنزيله على القولين لأن كل إحسان يبتغى به وجه الله فإن ذلك لا يضيع عنده والصدقة العطية التي ترجى بها المثوبة عند الله ومن ثم لم يجوز العلماء أن يقال: الله تعالى متصدق أو اللهم تصدق علي بل يجب أن يقال: اللهم أعطني أو تفضل علي أو ارحمني.

<<  <  ج: ص:  >  >>