كالدخان أو من عدم محض أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لا يتولى إصلاح مهماتي في الدارين غيرك. ولما قدم النداء والثناء كما هو شرط الأدب الحسن ذكر المسألة فقال تَوَفَّنِي مُسْلِماً أراد الوفاة على حال الإسلام والختم بالحسنى كقول يعقوب لولده: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: ١٠٢] وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ من آبائي أو على العموم.
قيل: الصلاح أول درجات المؤمنين الصالحين فالواصل إلى الغاية وهي النبوة كيف يليق به أن يطلب البداية؟ والجواب إن أراد الإلحاق بالآباء فظاهر، وإن أراد العموم فكذلك لأن طلب الصلاح غير الإلحاق بأهل الصلاح فإن اجتماع النفوس المشرقة بالأنوار الإلهية له أثر عظيم وفوائد جمة كالمرآة المستنيرة المتقابلة التي يتعاكس أضواؤها ويتكامل أنوارها إلى حيث لا تطيقها العيون الضعيفة، هذا مع أن الختم على الصلاح نهاية مراتب الصديقين. وهاهنا بحث للأشاعرة وهو أن التوفي على الإسلام والإلحاق بأهل الصلاح لو لم يكن من فعل الله تعالى كان طلبه من الله جاريا مجرى قول القائل: افعل يا من لا يفعل. وهل هذا إلا كتشنيع المعتزلة علينا إذ كان الفعل من الله فكيف يجوز أن يقول للمكلف افعل مع أنه ليس بفاعل؟ أجاب الجبائي والكعبي بأن المراد ألطف بي بالإقامة على الإسلام إلى أن أموت فألحق بالصلحاء. ورد بأنه عدول عن الظاهر مع أن كل ما في مقدور الله من الألطاف فقد فعله في حق الكل. سؤال آخر: الأنبياء يعلمون أنهم يموتون على الإسلام البتة، فما الفائدة في الطلب؟ الجواب: العلم الإجمالي لا يغني عن العلم التفصيلي ولا سيما في مقام الخشية والرهبة. وقال في التفسير الكبير: المطلوب هاهنا حالة زائدة على الإسلام الذي هو ضد الكفر وهي الاستسلام لحكم الله والرضا بقضائه. وعن قتادة وكثير من المفسرين أنه تمنى الموت واللحوق بدار البقاء في زمرة الصلحاء ولم يتمن الموت نبي قبله ولا بعده.
قال أهل التحقيق: لا يبعد من الرجل العاقل إذا كمل عقله أن تعظم رغبته في الموت لوجوه منها: أن مراتب الموجودات ثلاث: المؤثر الذي لا يتأثر وهو الإله تعالى وتقدس، والمتأثر الذي لا يؤثر وهو عالم الأجساد فإنها قابلة للتشكيل والتصوير والصفات المختلفة والأعراض المتضادة، ويتوسطهما قسم ثالث هو عالم الأرواح لأنها تقبل الأثر والتصرف من العالم الإلهي، ثم إذا أقبلت على عالم الأجساد تصرفت فيه وأثرت.
وللنفوس في التأثير والتأثر مراتب غير متناهية لأن تأثيرها بحسب تأثرها مما فوقها والكمال الإلهي غير متناه فإذن لا تنفك النفس من نقصان ما، والناقص إذا حصل له شعور