للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله قد تطاولت وتمادت حتى توهموا أن لا نصر لهم في الدنيا. قال ابن عباس: ظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر. قال: وكانوا بشرا ألا ترى إلى قوله: وَزُلْزِلُوا والعلماء حملوا قول ابن عباس على ما يخطر بالبال شبه الوسواس وحديث النفس من عالم البشرية. وأما الظن الذي هو ترجيح أحد الجانبين على الآخر فلا، لأن الرسل أعرف الناس بالله وبأن ميعاده مبرأ عن وصمة الأخلاف. ومنها وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا من النصر والظفر. ومنها وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل أي كذبتهم الرسل في أنهم ينصرون عليهم ولم يصدقوهم فيه. وأما قراءة التشديد فإن كان الظن بمعنى اليقين فمعناه أيقن الرسل أن الأمم كذبوهم تكذيبا لا يصدر عنهم الإيمان بعد فحينئذ دعوا عليهم فهناك نزل عذاب الاستئصال، أو كذبوهم فيما وعدوهم من العذاب والنصرة عليهم. وإن كان بمعنى الحسبان فالمعنى توهم الرسل أن الذين آمنوا بهم كذبوهم وهذا تأويل عائشة قالت: ما وعد الله محمدا شيئا إلا وعلم أنه سيوفيه، ولكن البلاء لم يزل بالأنبياء حتى خافوا من أن يكذبهم الذين كانوا قد آمنوا بهم.

لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ قصص الرسل إضافة للمصدر إلى الفاعل، ويحسن أن يقال: الضمير لإخوة يوسف وله لاختصاص هذه السورة بهم. والعبرة نوع من الاعتبار وهي العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول، ووجه الاعتبار على العموم أن يعلم أنه لا خير إلا في العمل الصالح والتزوّد بزاد التقوى فإن الملوك الذي عمروا البلاد وقهروا العباد ثم لم يراعوا حق الله في شيء من ذلك ماتوا وانقرضوا وبقي الوزر والوبال عليهم.

وعلى الخصوص أن الذي قدر على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجب وإعلاء شأنه بعد حبسه في السجن واجتماعه بأهله بعد طول البعاد قادر على إظهار محمد وإعلاء كلمته.

والكل مشترك في الدلالة على صدق محمد لأن هذا النوع من القصص الذي أعجز حملة الأحاديث ورواة الأخبار ممن لم يطالع الكتب ولم يخالط العلماء دليل ظاهر وبرهان باهر على أنه بطريق الوحي والتنزيل، وإنما يكون دليلا واعتبارا لِأُولِي الْأَلْبابِ وأصحاب العقول الذين يتأملون ويتفكرون لا الذين يمرون ويعرضون على أن الدليل دليل في نفسه للعقلاء وإن لم ينظر فيه مستدل قط كما أن الرئيس الحقيقي من له أهلية الرياسة وإن كان في نهاية الخمول ما كانَ مدلول القصص وهو المقصوص أو القرآن حَدِيثاً يُفْتَرى لظهور إعجازه وَلكِنْ كان تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب السماوية وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه في الدين لأنه القانون الذي يستند إليه السنة والإجماع والقياس. وقيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>