إن تلك العمد هي قدرة الله تعالى وحفظه الذي أوقفها في الجوّ العالي. ونحن لا نرى ذلك التدبير ولا نعرف كيفية ذلك الإمساك. أما قوله: كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى فعن ابن عباس أن للشمس مائة وثمانين منزلا في مائة وثمانين يوما، إنها تعود مرة أخرى إلى واحد واحد منها في أمثال تلك الأيام ومجموع تلك الأيام سنة تامة. أقول: إن صح عنه فلعله أراد تصاعدها في دائرة نصف النهار وتنازلها عنها في أيام السنة، وأراد نزولها في فلكها الخارج المركز من الأوج إلى الحضيض، ثم صعودها من الحضيض إلى الأوج فإن لها بحسب كل جزء من تلك الأجزاء في كل يوم من أيام السنة تعديلا خاصا زائدا أو ناقصا كما برهن عليه أهل النجوم. وأما القمر فسيره في منازله مشهور. وقال سائر المفسرين:
المراد كونهما متحركين إلى يوم القيامة وبعد ذلك تنقطع الحركات وتنتهي المسيرات كقوله:
وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام: ٢] واللام للتاريخ كما تقول: كتبت لثلاث خلون. وإنما قال في سورة لقمان إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [لقمان: ٢٩] موافقة لقبيل ذلك ومن يسلم وجهه إلى الله والقياس لله كما في قوله: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمران: ٢٠] يُدَبِّرُ الْأَمْرَ إجمال بعد التفصيل أي أمر العالم العلوي والعالم السفلي من أعلى العرش إلى ما تحت الثرى بحيث لا يشغله شأن عن شأن، لأن تدبيره لعالم الأرواح كتدبيره لعالم الأشباح، وتدبيره للكبير كتدبيره للصغير لا يختلف بالنسبة إلى قدرته أحوال شيء من ذلك في الإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة وتبديل الصور والأعراض وتغيير الأشكال والأوضاع يُفَصِّلُ الْآياتِ الدالة على وحدانيته وقدرته، ويحتمل أن يراد بتدبير الأمر تدبير عالم الملكوت، ويكون معنى تفصيل الآيات إنزال الكتب وبعث الرسل وتكليف العباد الذي هو أثر ذلك العالم في العالم السفلي. ويجوز أن يكون تدبير الأمر إشارة إلى القضاء، وتفضيل الآيات إشارة إلى القدر. وقوله: لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ على كل التفاسير إشارة إلى إثبات المعاد لأن المقر بتدبيره وتقديره على الأنهاج المذكورة لا بد أن يعترف باقتداره على الإعادة والجزاء.
ولما ذكر الدلائل السماوية أتبعها الدلائل الأرضية فقال: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ قال الأصم: أي بسطها إلى ما لا يدرك منتهاه، وهذا الامتداد الظاهر لحس البصر لا ينافي كريتها لتباعد أطرافها وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ أي جبالا ثوابت في أحيازها غير منتقلة عن أماكنها. وكيفية تكوّن الجبال على بسيط الأرض لا يعلم تفصيلها إلا موجدها. وزعمت الفلاسفة أنها من تأثير السموات في الأجزاء الأرضية القابلة لذلك الأثر بعد امتزاجها بالأجزاء المائية وغيرها، وقد يعين على ذلك نزول الأمطار وهبوب الرياح وهذا إن صح