محض إلا أن قوله في جوابهم قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ أقبل على الحق وحقيقته دخل في نوبة الخير فيه غموض. وأجيب بأنه يجري مجرى التعجب كأنه قيل: ما أعظم عنادكم بعد ما أنزلت من الآيات الباهرة أن الإضلال والهداية من الله، أو المراد لا تشتغلوا بطلب الآيات ولكن تضرعوا إلى الله في طلب الهدايات فإن الذي أضله الله يرى الآية سحرا، والذي هداه يراها معجزة. وقال الجبائي: المعنى إن الله يضل من يشاء عن طريق الصواب ويهدي إليه أقواما آخرين فلولا أنكم تستحقون العقاب لهداكم لهداكم إلى الصواب بإنزال ما اقترحتموه. وقيل: المراد أنه تعالى أنزل آيات ظاهرة ولكن الإضلال والهداية من الله فلو شاء لهداكم فلا فائدة في تكثير المعجزات الَّذِينَ آمَنُوا بدل ممن أناب وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ عن ابن عباس: يريد إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم واطمأنت. والاطمئنان بآيات الوعد لا ينافي الوجل من آيات الوعيد حيث قال إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال: ٢] أو المراد أن علمهم بكون القرآن معجزا يوجب حصول الطمأنينة لهم بأنه سبحانه واحد لا شريك له صادق في وعده ووعيده وبأن محمدا نبي حق أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ التحقيق فيه أن الإنسان متوسط الرتبة بين عالم الأرواح وعالم الأجساد، فإذا توجه إلى عالم الجسد اشتاق إلى التصرف فيه فيظهر له هناك أمور ضرورية في التعيش أدونها ليس بأهون من خرط القتاد فيتوزع فكره وتضطرب أحواله، أما إذا توجه إلى عالم الروح فإنه يزول الاضطراب ويتوحد المطلب ويحصل الاستغراق في بحر العرفان والاستنارة بنور الإيقان، ومن وقع في لجة البحر لا يبالي أين وقع:
أنا الغريق فما خوفي من البلل وقيل: إن الإكسير إذا وقعت منه ذرة على النحاس انقلب ذهبا صافيا باقيا على كر الدهور، فإكسير جلال الله إذا وقع في القلب السليم كيف لا يقلبه جوهرا صافيا نورانيا آمنا من التغير والزوال الَّذِينَ آمَنُوا مبتدأ خبره طُوبى لَهُمْ وجوّز في الكشاف أن يكون بدلا على حذف المضاف أي قلوب الذين آمنوا. وطُوبى مصدر من طاب يطيب كبشرى وواو منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها واللام للبيان مثل «سقيا لك» . والمعنى طيب لهم على الدعاء أو الخبر. عن ابن عباس: فرح وقرة عين. الضحاك: غبطة لهم. قتادة:
حسنى لهم. الأصم: خير وكرامة. الزجاج: عيش طيب. والكل متقارب والعبارة الجامعة أن أطيب الأشياء في كل الأمور حاصل لهم. وقيل: طوبى شجرة في الجنة. حكى الأصم أن أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي دار كل مؤمن منها غصن.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «طوبى شجرة غرسها الله بيده تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور