كقوله: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها [يوسف: ٤٠] وهذا الاحتجاج من أعاجيب الأساليب التي اختص بها القرآن الكريم المعجز فلله در شأن التنزيل. ثم بين سوء طريقتهم فقال: بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ قال الواحدي: معنى «بل» هاهنا كما يقال دع ذكر الدليل فإنه لا فائدة فيه إنه كذا وكذا. والكلام في أن المزين هو الله تعالى أو غيره قد مر في أول سورة آل عمران، وكذا البحث فيمن قرأ وَصُدُّوا بضم الصاد، وأما من قرأ بالفتح فيحتمل أن يكون لازما أي أعرضوا عنه، ويحتمل أن يكون متعديا أي صرفوا غيرهم. والخلاف في قوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ تقدم في مواضع منها آخر الأعراف ثم عاد إلى الإيعاد فقال: لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
من القتل والقتال واللعن والذم لا المصائب والأمراض لأنها قد تصيب المؤمنين أيضا، ولأنها مأمور بالصبر عليها والعقاب لا يكون كذلك وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ
لأنه أشد وأدوم وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ
أي من عذابه مِنْ واقٍ
من حافظ أو ما لهم من جهة الله واق أي دافع ومانع من رحمته بل إنما يمنع رحمته منهم باختياره وحكمه. ثم عقب الوعيد بالوعد فقال: مَثَلُ الْجَنَّةِ وتقديره عند سيبويه فيما قصصنا عليكم في الجنة. وقال غيره: الخبر تَجْرِي كما تقول صفة زيد أسمر. وقال الزجاج: إنه تمثيل للغائب بالشاهد ومعناه مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار. وقيل: إن فائدة الخبر ترجع إلى قوله: أُكُلُها دائِمٌ كأنه قال مثل الجنة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كما تعلمون من حال جناتكم إلا أن هذه أُكُلُها دائِمٌ كقوله: لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ [الواقعة: ٣٣] . وَظِلُّها دائم أيضا. والمراد أنه لا حر هناك ولا برد ولا شمس ولا قمر ولا ظلمة، وقد مر هذا البحث في سورة النساء في قوله: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [الآية: ٥٧] قيل: في الآية دلالة على أن حركات الجنة لا تنتهي إلى سكون دائم كما يقوله أبو الهذيل وأتباعه. قال القاضي: وفيها دليل على أن الجنة لم تخلق بعد وإلا انقطع أكلها لقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرحمن: ٢٦] ، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨] قال: ولم ننكر أن تحصل الآن في السموات جنات تتمتع بها الملائكة ومن يعد حيا من الأنبياء والشهداء وغيرهم إلا أن جنة الخلد خاصة إنما تخلق بعد الإعادة. وأجيب بأنا نخصص عموم كل شيء هالك بالدليل الدال على أن الجنة مخلوقة وهو قوله: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: ١٣٣] .
ثم ذكر عقائد الفرق في شأن القرآن المتلو فقال: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قيل:
أراد بالكتاب القرآن يعني أن المسلمين يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من الشرائع والعلوم وَمِنَ الْأَحْزابِ الجماعات من اليهود والنصارى وغيرهم مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ لأنهم كانوا