تأكيد التخويف فإن التألم من تصور العدم المجرد ليس كالتألم من تصور عدمه مع إقامة غيره مقامه، على أن الإذهاب لا يلزم منه الإعدام فيكون شبيها بعزل شخص ونصب غيره مقامه. وللحكيم أن يستدل بقوله: يُذْهِبْكُمْ على أن مادة الجوهر لا تعدم وإنما تنعدم الصور والأعراض. والجواب أن الإذهاب هاهنا بمعنى الإعدام، ولو سلم فلا يلزم من عدم وقوع الإعدام هاهنا امتناعه في جميع الصور. وفيه أنه الحقيق بأن يخشى عقابه ويرجى ثوابه فلذلك أتبعه أحوال الآخرة فقال: وَبَرَزُوا بلفظ الماضي تحقيقا للوقوع مثل وَسِيقَ [الزمر: ٧٣] وَنادى [الأعراف: ٤٨] والتركيب يدل على الظهور بعد الخفاء ومنه «امرأة برزة» إذا كانت تظهر للناس «وبرز فلان على أقرانه» إذا فاقهم. ومعنى برزوهم لله وهو سبحانه لا يخفى عليه شيء أنهم كانوا يستترون عن العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على الله. فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم وعلموا أن الله لا يخفى عليه خافية، أو المضاف محذوف أي برزوا لحساب الله وحكمه. قال أبو بكر الأصم: قوله: وَبَرَزُوا لِلَّهِ هو المراد من قوله: وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ وعلى قواعد الحكماء: النفس إذا فارقت الجسد زال الغطاء وكشف الوطاء وظهرت عليه آثار الملكات والهيئات التي كان يمنعها عن الشعور بها اشتغالها بعالم الحس فذلك هو البروز لله، فإن كانوا من السعداء برزوا لموقف الجمال بصفاتهم القدسية وهيئاتهم النورية، فما أجل تلك الأحوال ويا طوبى لأهل النوال. وإن كانوا من الأشقياء برزوا لموقف الجلال بأوصافهم الذميمة وهيئاتهم المظلمة، فما أعظم تلك الفضيحة وما أشنع تلك المهانة.
كتب الضعفواء بواو قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو ومثله: علمواء بني إسرائيل [الشعراء: ١٩٧] والضعفاء العوام والأراذل، والذين استكبروا سادتهم وأشرافهم الذين استنكفوا عن عبادته تعالى فضلوا وأضلوا. قال الفراء: أكثر أهل اللغة على أن التبع جمع تابع كخدم وخادم وحرس وحارس. وجوز الزجاج أن يكون التبع مصدرا أي ذوي أتباع إما في الكفر أو في الأمور الدنيوية فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ هل يمكنكم دفع عذاب الله عَنَّا ومن في مِنْ عَذابِ اللَّهِ للتبيين وفي مِنْ شَيْءٍ للتبعيض. والمعنى هل تدفعون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله أو كلاهما للتبعيض بمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ. عن ابن عباس: لو أرشدنا الله لأرشدناكم. قال الواحدي: معناه أنهم إنما دعوهم إلى الضلال لأن الله أضلهم ولو هداهم لدعوهم إلى الهدى. وقال في الكشاف:
لعلهم قالوا ذلك مع أنهم كذبوا فيه كقوله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما