للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه قرأ: وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف في نحو «عصاي» فما بالها وقبلها ياء. وحاصل ما عابوا عليه أنه لم يوجد له نظير في استعمال العرب، لكنك تعلم أن القرآن حجة على غيره. قوله: إني كفرت بما أشركتموني إن كانت «ما» مصدرية فالمعنى إني كفرت أي أنا جاحد وما كان لي رضا بإشراككم لي في الدنيا مع الله في الطاعة وفي أن لي تدبيرا وتصرفا في هذا العالم، وإن كانت موصولة على ما قاله الفراء من أن «ما» في معنى «من» كقوله: «سبحان ما سخركن لنا» فالمراد إني كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالله الذي أشركتمونيه. ووجه نظم الكلام على هذا التفسير أن إبليس كأنه يقول: لا تأثير لوسوستي في كفركم بدليل أني كفرت بالله قبل أن كفرتم، وما كان كفري بسبب وسوسة أخرى وإلا لزم التسلسل فثبت بهذا أن سبب الوقوع في الكفر شيء آخر سوى الوسوسة، وهذا التقرير يناسب أصول الأشاعرة. أما قوله: إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فالأظهر أنه كلام الله، ويشمل إبليس ومن تابعه من الثقلين وليس ببعيد أن يكون من بقية كلام إبليس قطعا لأطماع أولئك الكفار عن إغاثته. ثم شرع في أحوال السعداء وقال: وَأُدْخِلَ على لفظ الماضي تحقيقا للوقوع، وقوله: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ متعلق ب أُدْخِلَ أي أدخلتهم الملائكة الجنة بإذن الله وأمره. وقرأ الحسن وَأُدْخِلَ على لفظ المتكلم. قال في الكشاف: فعلى هذا يتعلق قوله: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بما بعده يعني أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم. وقد تقدم معنى قوله: تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ في أول سورة يونس. ثم لما بين أحوال السعداء وكان قد ذكر أحوال أضدادهم، أراد أن يذكر لكل من الفريقين مثلا. قال في الكشاف كَلِمَةً طَيِّبَةً نصب بمضمر أي جعل كلمة طيبة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وهو تفسير لقوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا أو ضرب بمعنى جعل أي جعل الله كلمة طيبة مثلا. ثم قال كشجرة طيبة أي هي كشجرة.

وقال صاحب حل العقد: أظن أن الوجه أن يجعل قوله: كَلِمَةً عطف بيان، وقوله:

كَشَجَرَةٍ مفعول ثان. عن ابن عباس: الكلمة الطيبة هي قول لا إله إلا الله محمد رسول الله. والشجرة الطيبة شجرة في الجنة. وعن ابن عمر: هي النخلة. وقيل: الكلمة الطيبة كل كلمة حسنة كالتسبيحة والتحميدة والاستغفار والتوبة والدعوة. والشجرة كل شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجرة التين والعنب والرمان وغير ذلك. وقيل: لا حاجة بنا إلى تعيين تلك الشجرة، والمراد أن الشجرة الموصوفة ينبغي لكل عاقل أن يسعى في تحصيلها وادّخارها لنفسه سواء كان لها وجود في الدنيا أو لم يكن.

أما صفات الشجرة فالأولى كونها طيبة ويشمل طيب المنظر والشكل والرائحة وطيب

<<  <  ج: ص:  >  >>