عام كذا» معناه مضى قبل إتيانه ولم يبلغه. فمعنى الآية أنه لا يحصل أجل أمة قبل وقته ولا بعده كما في كل حادث، وقد مر بحث الأجل في أول سورة الأنعام. وأنث الأمة أولا ثم ذكرها آخرا في قوله وَما يَسْتَأْخِرُونَ حملا على اللفظ والمعنى، وحذف متعلق يَسْتَأْخِرُونَ وهو عنه للعلم به. ولما بالغ في تهديد الكفار شرع في تعديد بعض شبههم ومطاعنهم في النبي. فالأولى أنهم كانوا يحكمون عليه بالجنون لأنهم كانوا يسمعون منه صلى الله عليه وسلم ما لا يوافق آراءهم ولا يطابق أهواءهم وإنما نادوه يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مع أنهم كانوا لا يقرون بنزول الوحي عليه تعكيسا للكلام استهزاء وتهكما، وأرادوا يا أيها الذي نزل عليه الوحي في زعمه واعتقاده وعند أصحابه وأتباعه، الثانية. لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ «لو ما» حرف تحضيض مركب من «لو» المفيدة للتمني ومن «ما» المزيدة، فأفاد المجموع الحث على الفعل الداخل هو عليه والمعنى: هلا تأتينا بالملائكة ليشهدوا على صدقك ويعضدوك على إنذارك؟ والمراد هلا تأتينا بملائكة العذاب إن كنت صادقا في أن تكذيبك يقتضي التعذيب العاجل؟ فأجاب الله سبحانه عن شبههم بقوله ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ قالت المعتزلة: أي تنزيلا متلبسا بالحكمة والمصلحة والغاية الصحيحة، ولا حكمة في أن تأتيكم عيانا فإن أمر التكليف حينئذ يؤول إلى الاضطرار والإلجاء، ولا فائدة تعود عليكم لأنه تعالى يعلم إصراركم على الكفر فيصير إنزالهم عبثا، أو لا حكمة في إنزالهم لأنهم لو نزلوا ثم لم تؤمنوا وجب عذاب الاستئصال وذلك قوله وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ فإن التكليف يزول عند نزول الملائكة وقد علم الله من المصلحة أن لا يهلك هذه الأمة ويمهلهم لما علم من إيمان بعضهم أو إيمان أولادهم. وقالت الأشاعرة: إلا بالحق أي إلا بالوحي أو العذاب. قال صاحب النظم: لفظ «إذن» مركبة من «إذ» بمعنى «حين» ومن «أن» الدالة على مجيء فعل بعده، فخففت الهمزة بحذفها بعد نقل حركتها وكأنه قيل: وما كانوا منظرين إذ أن كان ما طلبوا. وقال غيره:«إذن» جواب وجزاء تقديره: ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين وما أخر عذابهم. ثم أنكر على الكفار استهزاءهم في قولهم يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ فقال على سبيل التوكيد إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ثم دل على كونه آية منزلة من عنده فقال وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ لأنه لو كان من قول البشر أو لم يكن آية لم يبق محفوظا من التغيير والاختلاف. وقيل: الضمير في لَهُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] والقول الأول أوضح. ووجه حفظ القرآن قيل: هو جعله معجزا مباينا لكلام البشر حتى لو زادوا فيه شيئا ظهر ذلك للعقلاء ولم يخف، فلذلك بقي مصونا عن التحريف. وقيل: حفظ بالدرس