أن يكون قوله: إِلَّا آلَ لُوطٍ مستثنى من الضمير في مُجْرِمِينَ حتى يكون الاستثناء متصلا أي إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم. ولم لا يجوز الاستثناء من الاستثناء بناء على أن آلَ لُوطٍ مستثنى من معمول أُرْسِلْنا أو مُجْرِمِينَ وإِلَّا امْرَأَتَهُ من معمول لَمُنَجُّوهُمْ وقد عرفت ما فيه على أنه إذا جعل الإرسال بمعنى الإهلاك كما قرره هو آل الأمر إلى ما ذكرنا فلا أدري لم استبعده مع وفور فضله. قال أهل اللغة: قدرت الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل جعلت الشيء على مقدار غيره، ومنه قدر الله الأقوات أي جعلها على مقدار الكفاية، وقدر الأمور أي جعلها على مقدار ما يكفي في أبواب الخير والشر. وقيل: في معنى قدرنا: كتبنا. وقال الزجاج: دبرنا. وقيل: قضينا.
والكل متقارب، والمشدد في هذا المعنى أكثر استعمالا وأنه جواب سؤال كأنه قيل: ما بالها استثنيت من الناجين؟ فقيل: قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ أي الباقين في الهوالك.
ويقال للماضي أيضا غابر وهو من الأضداد. قال في الكشاف: علق فعل التقدير مع أن التعليق من خصائص أفعال القلوب لأنه في معنى العلم. وإنما أسندوا الفعل إلى أنفسهم مع أن التقدير لله عز وجل بيانا لاختصاصهم به تعالى كما يقول خاصة الملك دبرنا كذا أو أمرنا بكذا ولعل المدبر والآمر هو الملك وحده.
ثم إن الملائكة لما بشروا إبراهيم عليه السلام بالولد وأخبروه بأنهم مرسلون إلى قوم مجرمين ذهبوا بعد ذلك إلى لوط وذلك قوله: فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ أي لوط إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ تنكركم نفسي وتنفر منكم. وذلك أنهم هجموا عليه فلم يعرفهم وخاف أن يطرقوه بشر فلذلك قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ أي ما جئناك بما توهمت بل جئناك بما فيه فرجك وتشفيك من عدوك وهو العذاب الذي كنت تخوفهم به وهم يشكون في وقوعه. وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ باليقين الثابت. وقال الكلبي: بالعذاب الذي لا شك فيه وَإِنَّا لَصادِقُونَ فيما أخبرناك به فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ أي في آخره وقدم في سورة هود وزاد هاهنا قوله: وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ لأنه إذا ساقهم وكان من ورائهم علم بنجاتهم، ولا يخفى حالهم. ففي الآية زيادة بيان لكيفية الإسراء ثم زاد في البيان فقال: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ولم يستثن امرأته اكتفاء بما مر في السورة من قوله: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قال جار الله: إنما أمر باتباع أدبارهم ونهى عن الالتفات ليكون فارغ البال من حالهم فيخلص قلبه لشكر الله، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، ولئلا يشاهدوا عذاب قومهم فيرقوا لهم مع أنهم ليسوا من أهل الرقة عليهم، وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة ولا يتحسروا على ما خلفوا. وجوز أن