إبليس كان من الملائكة المقربين ثم عصى الله وكفر. والجواب عن اعتراضهم على الله أن غرضهم من ذلك السؤال لم يكن هو الإنكار ولا تنبيه الله على شيء لا يعلمه فإن هذا الاعتقاد كفر، وإنما المقصود من ذلك أمور منها: أن الإنسان إذا كان قاطعا بحكمة غيره ثم رآه يفعل فعلا لا يهتدي ذلك الإنسان إلى وجه الحكمة فيه، استفهم عن ذلك متعجبا.
فكأنهم قالوا إعطاء هذه النعم العظام من يفسد ويسفك لا تفعله إلا لوجه دقيق وسر غامض فما أبلغ حكمتك، ومنها أن إبداء الإشكال طلبا للجواب غير محذور، فكأنه قيل: إلهنا أنت الحكيم الذي لا يفعل السفه البتة، وتمكين السفيه من السفه قبيح من الحكيم، فكيف يمكن الجمع بين الأمرين؟ وهذا جواب المعتزلة، واستدلوا به على أن الملائكة لم يجوزوا صدور القبيح من الله تعالى فكانوا على مذهب أهل العدل قالوا: ومما يؤكد ذلك أنهم أضافوا الفساد وسفك الدماء إلى المخلوقين لا إلى الخالق. وأيضا قالوا وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ والتسبيح تنزيه ذاته عن صفة الأجسام وَنُقَدِّسُ لَكَ والتقديس تنزيه أفعاله عن صفة الذم ونعت السفه، ومنها أن الخيرات في هذا العالم غالبة على شرورها، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير. فالملائكة نظروا إلى الشرور فأجابهم الله تعالى بقوله إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ أي من الخيرات الكثيرة التي لا يتركها الحكيم لأجل الشر القليل وهذا جواب الحكيم. ومنها أن سؤالهم كان على وجه المبالغة في إعظام الله تعالى، فإن العبد المخلص لشدة حبه لمولاه يكره أن يكون له عبد يعصيه. ومنها أن قولهم أَتَجْعَلُ مسألة منهم أن يجعل الأرض أو بعضها لهم إن كان ذلك صلاحا نحو قول موسى أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الأعراف: ١٥٥] أي لا تهلك، فقال تعالى إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ من صلاحكم وصلاح هؤلاء فبين أن الاختيار لهم السماء ولهؤلاء الأرض، ليرضى كل فريق بما أختار الله له. ومنها أن هذا الاستفهام خارج مخرج الإيجاب كقول جرير: ألستم خير من ركب المطايا؟ أي أنتم كذلك وإلا لم يكن مدحا، فكأنهم قالوا: إنك تفعل ذلك ونحن مع هذا نسبح بحمدك لأنا نعلم في الجملة أنك لا تفعل إلا الصواب والحكمة فقال تعالى إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ فأنتم علمتم ظاهرهم وهو الفساد والقتل، وأنا أعلم ظاهرهم وما في باطنهم من الأسرار الخفية التي تقتضي إيجادهم. وفيه أن استحقاق تلك الخلافة ليس بكثرة الطاعة ولكنه بسابق العناية، وأنه تعالى غني عن طاعة المطيعين كما أنه لا تضره معصية المذنبين.
والجواب عن الغيبة أن من أراد إيراد السؤال وجب أن يتعرض لمحل الإشكال، فلذلك ذكروا الفساد والسفك لا للغيبة. وعن العجب أن مدح النفس غير ممنوع منه مطلقا