عكرمة: اقتسموا القرآن استهزاء وكان يقول بعضهم سورة البقرة لي ويقول الآخر سورة آل عمران لي وقال مقاتل: اقتسموه. قال بعضهم سحر، وبعضهم شعر، وبعضهم كذب، وبعضهم أساطير الأولين. وقال ابن زيد: المقتسمون هم الذين تقاسموا بالله ليبيتن صالحا كما سيجيء في سورة النمل، فرمتهم الملائكة بالحجارة وقتلوهم، وعلى هذا يكون قوله:
الَّذِينَ جَعَلُوا منصوبا بالنذير أي أنذر المعضين الذين يجزؤن القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين.
ثم أقسم على سبيل الوعيد فقال: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ الآية وقد مر تفسير مثله في أول «الأعراف» وذلك قوله فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ [الأعراف: ٦] . والأظهر أن الضمير عائد إلى جميع المكلفين المنذرين، وأن السؤال يكون عن جميع الأعمال، وقد يخص الضمير بالمقتسمين والسؤال بالاقتسام. ثم شجع نبيه قائلا فَاصْدَعْ أي اجهر بِما تُؤْمَرُ وأظهره وفرق بين الحق والباطل. وأصل الصدع الشق والفصل ومنه سمي الصبح صديعا كما سمي فلقا. وصدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا. قال النحويون: الجار محذوف والمعنى بالذي تؤمر به من الشرائع مثل «أمرتك الخير» . وجوز أن تكون «ما» مصدرية أي بأمرك وشأنك مصدر من المبني للمفعول. وقالوا: وما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية. ثم قال: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أي لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة وهذا لا ينافي آية القتال حتى يلزم النسخ على ما ظن بل يؤكدها. ثم أكد النهي عن الاكتراث بهم وقوّى قلبه فقال: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ولا ريب أنهم طبقة ذو شوكة قدروا على الاستهزاء بالرسول مع جلالة قدره. والآية لا تفيد إلا هذا القدر لكن المفسرين ذكروا عددهم وأسماءهم مع اختلاف بينهم. والأشهر على ما رواه عروة بن الزبير أنهم خمسة نفر من الأشراف: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والحرث بن الطلاطلة. وعن ابن عباس:
ماتوا كلهم قبل يوم بدر.
وقال جبرائيل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أكفيكهم فأومأ إلى ساق الوليد فمر بنبال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لأخذه فأصاب عرقا في عقبة فقطعه فمات. وأومأ إلى أخمص العاص بن وائل فدخلت فيها شوكة فقال:
لدغت لدغت فانتفخت رجله حتى صارت كالرحى ومات، وأشار إلى عيني الأسود بن المطلب فعمي، وأشار إلى أنف الحرث فامتخط قيحا فمات، وإلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة فجعل ينطح رأسه بالشجر ويضرب وجهه بالشوك حتى مات،
ثم زاد في تسلية نبيه صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ من المطاعن فيك وفي