للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رم؟ فنزلت.

ثم أردف تكوين الإنسان بتكوين الحيوانات التي ينتفع بها الإنسان في ضروراته من الأكل والركوب وجر الأثقال وفي غير الضروريات من الأغراض الصحيحة كالتزيين والجمال فقال: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها هي الأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام وهي:

الضأن والمعز والإبل والبقر. وإن شئت قلت: الإبل والبقر والغنم. قال في الكشاف:

وأكثر ما يقع هذا اللفظ على الإبل. قلت: ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله بعد ذلك:

وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ لأن هذا الوصف لا يليق إلا بالإبل. وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر.

ويجوز أن يكون معطوفا على الْإِنْسانَ أي خلق الإنسان والأنعام. ثم قال: خَلَقَها لَكُمْ أي ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان. قال صاحب النظم: وأحسن الوجهين أن يكون الوقف عند قوله: خَلَقَها بدليل أنه عطف عليه قوله: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ والدفء اسم ما يدفأ به كالملء اسم ما يملأ به وهو الدفاء من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر. قال الجوهري: الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها، والدفء أيضا السخونة. وقوله: وَمَنافِعُ قالوا: المراد نسلها ودرّها، والمنافع بالحقيقة أعم من ذلك فقد ينتفع بها في البيع والشراء بالنقود والأثواب وبسائر الحاجات. أما قوله:

وَمِنْها تَأْكُلُونَ بتقديم الظرف المؤذن بالاختصاص فلأن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في مآكلهم عادة، وأما الأكل من غيرها كالدجاج وصيد البر والبحر فكغير المعتد به الجاري مجرى التفكه، ويحتمل أن يراد أن غالب أطعمتكم إنما يحصل منها لأنكم تحرثون بالبقر وتكتسبون بإكراء الإبل وتشترون بنتاجها وألبانها وجلودها جميع ما تشتهون من الأطعمة. قوله: حِينَ تُرِيحُونَ الإراحة رد الإبل إلى مراحها حيث تأوي إليه ليلا ويقال: سرح القوم إبلهم سرحا إذا أخرجوها بالغداة إلى المرعى. وقدم الإراحة لأن الجمال فيها أظهر حين تقبل ملأى البطون حافلة الضروع ثم تأوي إلى الحظائر حاضرة لأهلها. قوله: بِشِقِّ الْأَنْفُسِ من قرأ بفتح الشين فمعناه المشقة فيكون مصدر شق الأمر عليه شقا وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع، ومن قرأ بالكسر فمعناه النصف كأنه يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد. قال جار الله: معنى المضي في قوله: لَمْ تَكُونُوا راجع إلى الفرض والتقدير: أي لو لم يخلق الإبل لم تكونوا إلا كذلك. وإنما لم يقل «لم تكونوا حامليها إلى ذلك البلد» ليطابق قوله: وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ لأجل المبالغة كأنه قيل: قد علمتم أنكم لا تبلغونه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة وذهاب قوة فضلا أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم ويجوز أن يكون العائد إلى الأثقال محذوفا أي لم تكونوا

<<  <  ج: ص:  >  >>