لزم أن لا نصرة بالضرورة. قال: ويجوز أن يرجع الضمير في وَلِيُّهُمُ إلى مشركي قريش وأنه زين للكفار قبلهم أعمالهم فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم، ويجوز أن يكون على حذف المضاف أي فهو ولي أمثالهم اليوم. ثم ذكر سبحانه أنه ما هلك من هلك إلا بعد إقامة الحجة وإزاحة العلة فقال: وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ كالشرك والتوحيد والجبر والقدر والإقرار بالبعث والإنكار له، وكتحريم الأشياء المحللة كالبحيرة والسائبة وتحليل الأشياء المحرمة كالميتة والدم. وَهُدىً وَرَحْمَةً انتصبا على أنهما مفعول لهما ولا حاجة إلى اللام لأنهما فعلا فاعل، والفعل المعلل بخلاف التبيين فإنه فعل المخاطب لا فعل المنزل ولهذا دخل عليه اللام. قال الكعبي: وصف القرآن بكونه هدى ورحمة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لا ينافي كونه كذلك في حق الكل. وخص المؤمنون بالذكر من حيث إنهم قبلوه وانتفعوا به. ولما امتد الكلام في وعيد الكفار عاد إلى تقرير الإلهيات فقال: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وفي العنكبوت:
مِنْ بَعْدِ مَوْتِها [الآية: ٦٣] لأن هنالك سؤال تقرير والتقرير يحتاج إلى التحقيق فقيد الظرف ب «من» للاستيعاب. وأيضا حذف «من» في هذه السورة موافقة لقوله عما قريب:
لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً وإنما حذف «من» هنا بخلاف ما في الحج لأنه أجمل الكلام في هذه السورة فقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وأطنب في الحج فقال: خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [الحج: ٥] الآية. فاقتضى الإيجاز الحذف والإطناب الإثبات إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تأمل وتدبر فمن لم يسمع متدبرا فكأنه أصم، ثم استدل بعجائب أحوال الحيوانات قائلا: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ وفي سورة المؤمنين: مِمَّا فِي بُطُونِها [الآية: ٢١] فذكر النحويون أن الأنعام من جملة الكلمات التي لفظها مفرد ومعناها جمع كالرهط والقوم والنعم. فجاز تذكيره حملا على اللفظ وتأنيثه حملا على المعنى. قال المبرد: هذا شائع في القرآن قال تعالى: فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي [الأنعام: ٧٨] بمعنى هذا الشيء الطالع. وقال: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ [عبس: ١١] أي ذكر هذا الشيء. وعند سيبويه الأنعام من الأسماء المفردة الواردة على أفعال. وجوّز في الكشاف أن يكون تأنيثه على أنه تكسير نعم. وقيل:
إن الأنعام بمعنى النعم لأن الألف واللام تلحق الآحاد بالجمع والجمع بالآحاد.
قلت: ما ذكره الأئمة حسن إلا أنه لا يقع جوابا عن التخصيص. ولعل السر فيه أن الضمير في هذه السورة يعود إلى البعض وهو الإناث، لأن اللبن لا يكون للكل فالتقدير:
وإن لكم في بعض الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه، وأما في «المؤمنين» فإنه لما عطف