المعاجين. وتنكير شِفاءٌ لتعظيم الشفاء الذي فيه، أو لأن فيه بعض الشفاء فإن كل دواء كذلك.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا جاء إليه فقال: إن أخي يشتكي بطنه. فقال: اسقه العسل. فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فما نفع. فقال: اذهب فاسقه عسلا فقد صدق الله وكذب بطن أخيك. فسقاه فشفاه الله فبرأ كأنما نشط من عقال.
قال أهل المعاني:
إنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بأنه سيظهر نفعه فلهذا قال: كذب بطن أخيك حين لم يظهر النفع في الحال.
وعن عبد الله بن مسعود: العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين القرآن والعسل. واعلم أنه سبحانه ختم الآية الأولى بقوله: لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ لأن إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض بسببه أمر مشاهد محسوس فمنكر ذلك فاقد الحس، وإنما خص بالذكر حس السمع لأن لفظ القرآن المنبه على هذه الآية مسموع.
وختم الآية الثانية بالعقل لأنه يحتاج إلى نوع تدبر فالمعرض عنه فاقد العقل دون الحس.
وختم الثالثة بالتفكر لأن أمر النحل وقصتها العجيبة من انقيادها لأميرها واتخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق منا، ثم تتبعها الزهر والطل ثم خروج ذلك من بطونها لعابا أو قيئا يقتضي فكرة بليغة. ولما ذكر بعض عجائب أحوال الحيوان أتبعه عجيب خلق الإنسان فقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ولم تكونوا شيئا ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ عند انقضاء آجالكم وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ إلى أخسه وأحقره.
عن علي رضي الله عنه هو خمس وسبعون سنة.
وعن قتادة تسعون سنة. وقال السدي: هو حالة الخرف دليله قوله: لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً أي ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفل في النسيان وعدم التذكر.
وقيل: لئلا يعقل بعد عقله الأول شيئا أي لا يعلم زيادة علم على علمه. وقيل: إن الرد إلى أرذل العمر ليس في المسلمين والمسلم لا يزداد بسبب العمر إلا كرامة على الله تعالى ونظير الآية قوله: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [التين:
٥، ٦] .
واعلم أن العقلاء ضبطوا مراتب عمر الإنسان في أربع: أوّلها سن النشوء، وثانيها سن الوقوف وهو سن الشباب، وثالثها الانحطاط الخفي اليسير وهو سن الكهولة، ورابعها سن الانحطاط الظاهر وهو سن الشيخوخة. وذكر الأطباء وأصحاب الطبيعي أن بدن الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث وهما جوهران حارّان رطبان، والحرارة إذا عملت في الجسم الرطب قلت رطوبته فلا يزال ما في هذين الجوهرين من قوة الحرارة يقلل ما في العضو من الرطوبة حتى يتصلب ويظهر العظم والغضروف والعصب والوتر والرباط وسائر الأعضاء، فإذا تم تكوين البدن وكمل فعند ذلك ينفصل الجنين من رحم