فكان مبعوثا إلى حواء أو إلى من توجه التحدي إليهم، لأنهم كانوا رسلا فقد يجوز الإرسال إلى الرسل كبعثة إبراهيم إلى لوط صلى الله عليه وسلم واحتجوا بأن حصول ذلك العلم له ناقض العادة ومنع بأن حصول العلم بالأسماء لمن علمه الله، وعدم حصوله لمن لم يعلمه ليس بناقض للعادة.
وأيضا أهم علموا أن تلك الأسماء موضوعة لتلك المسميات أو لا؟ فإن علموا فقد قدروا على المعارضة وإلا فكيف عرفوا أن آدم أصاب فيما ذكر، اللهم إلا أن يقال: إن لكل صنف منهم لغة من تلك اللغات، ثم إن جميع الأصناف حضروا وإن آدم عرض عليهم جميع تلك اللغات فكان معجزا، أو يقال: إنه تعالى عرفهم قبل أن يسمعوا من آدم تلك الأسماء فاستدلوا به على صدق آدم. والظاهر أنهم قد عرفوا صدقه بتصديق الله تعالى إياه، ولئن سلم أنه ظهر منه فعل خارق للعادة فلم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات أو من باب الإرهاص وهما عندنا جائزان؟ القاطعون بأنه عليه السلام ما كان نبيا في ذلك الوقت قالوا:
صدرت الكبيرة منه بعد ذلك، والإقدام عليها يوجب الطرد والتحقير، فوجب أن تكون النبوة متأخرة عنها، كيف وقد قال عز من قائل ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ [طه: ١٢٢] والرسالة هي الاجتباء، فيكون بعد الزلة. وأيضا لو كان رسولا، فإن لم يكن مبعوثا إلى أحد فلا فائدة، وإن كان مبعوثا فإما إلى الملائكة- وهم أفضل من البشر عند المعتزلة- ولا يجوز جعل الأدون رسولا إلى الأشرف، وإن المرء إلى قبول القول ممن هو من جنسه أمكن وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا [الأنعام: ٩] وإما إلى الأنس، ولا إنسان إلا حواء، وإنها عرفت التكليف لا بواسطة آدم بدليل وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة: ٣٥] وإما إلى الجن، وما كان في السماء أحد من الجن.
البحث الثالث: في فضل العلم: لو كان في الإمكان شيء أشرف من العلم لأظهر الله تعالى فضل آدم بذلك الشيء، ومما يدل على فضيلته الكتاب والسنة والمعقول. أما الكتاب فمن ذلك ما يروى عن مقاتل، أن الحكمة في القرآن على أربعة أوجه: أحدها مواعظ القرآن وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة: ٢٣١] وثانيها الحكمة بمعنى الفهم والعلم وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم: ١٢] وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [لقمان: ١٢] وثالثها الحكمة بمعنى النبوة فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء: ٥٤] ورابعها القرآن يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة: ٢٦٩] وجميع هذه الوجوه عند التحقيق ترجع إلى العلم. ومن ذلك أنه تعالى فرق بين سبعة نفر في كتابه قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٩] قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ [المائدة: ١٠٠] لا يَسْتَوِي