النفس، فآمن بحقية الطلب واحتمال التعب فاستوقد نار الشوق والمحبة، فلما أضاءت ما حوله وبذل في الاجتهاد جده وحوله هبت نكباء النكبات فصدئت مرآة قلبه، وذهب الله بنوره وانخمدت نار الطلب وآل المشئوم إلى طبعه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ على مباشرة فعل أو قول يخالف الطريقة من معاملات أهل الطبيعة فيوافقهم فيها في الظاهر ويخالفهم بالباطن حتى يخلص من شؤم صحبتهم اسْتَحَبُّوا اختاروا محبة الدنيا وشهواتها على محبة الله وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي إلى حضرته الْقَوْمَ الْكافِرِينَ بنعمته وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ عما أعدّ الله لعباده الصالحين. هُمُ الْخاسِرُونَ لأن الإغضاء عن العبودية يورث خسران القلوب عن مواهب الربوبية ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا نفوسهم وهواهم مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا بمخالفة أوامر الحق ونواهيه ثُمَّ جاهَدُوا النفوس بسيوف الرياضات وَصَبَرُوا على تزكيتها وتحليتها متمسكين بذيل إرادة الشيخ يَوْمَ تَأْتِي أرباب النفوس تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها على قدر بقاء وجودها دفعا لمضارّها وجذبا لمنافعها حتى إن كل نبي يقول نفسي نفسي إلا محمدا صلى الله عليه وسلم فإنه فان بالكلية عن نفسه باق ببقاء ربه فيقول: أمتي أمتي لأنه مغفور ذنب وجوده المتقدم في الدنيا والمتأخر في الآخرة بما فتح الله له ليلة المعراج إذ واجهه بخطاب «سلام عليك أيها النبي» ففني عن وجوده بالسلام وبقي بوجوده بالرحمة، فكان رحمة مهداة ببركاته إلى الناس كافة، ولكن رفع الذلة من تلك الضيافة وجب لمتابعيه فلهذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. يعني الذين صلحوا لبذل الوجود في طلب المقصود قَرْيَةً هي قرية شخص الإنسان كانَتْ آمِنَةً أي آهلة وهو الروح الإنساني مُطْمَئِنَّةً بذكر الله يَأْتِيها رِزْقُها من المواهب مِنْ كُلِّ مَكانٍ روحاني وجسماني فَكَفَرَتْ النفس الأمارة فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وهو انقطاع مواد التوفيق فأكلوا من جيفة الدنيا وميتة المستلذات وَالْخَوْفِ وهو خوف الانقطاع عن الله وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ الوارد الرباني فما تخلقوا بأخلاقه وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من أنوار الشريعة وأسرار الطريقة هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ على عادة أهل الإباحة وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا أي تابوا حَرَّمْنا من موانع الوصول ما قَصَصْنا عَلَيْكَ في بدوّ نبوتك حتى كنت محترزا عن صحبة خديجة وتنحيت إلى حراء أسبوعا أو أسبوعين. وَما ظَلَمْناهُمْ بتحريم ذلك عليهم بل أنعمنا به عليهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالإعراض عنا بعد الإقبال علينا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ممن له شركة مع الله في الوجود اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ في الظاهر حتى يتبعك هو في الباطن ولهذا ذهب إلى ربه ماشيا إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي [الصافات: ٩٩] وأسري بمحمد راكبا سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء: ١]