للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«من أعتق نصيبا من عبد حرم عليه الباقي»

فإن الحكم في الأمة والعبد يتساويان. وإما أن يكون الحكم في محل المسكوت أظهر وهو القياس الجلي ومثاله المنع من التأفيف فإنه مغاير للمنع من الضرب عقلا، لأن الملك الكبير إذا أخذ ملكا آخر عدوا له فقد يقول للجلاد إياك وأن تستخف به أو تشافهه بكلمة موحشة لكن اضرب رقبته. فهذا معقول في الجملة إلا أن قرينة تعظيم الوالدين صيره من باب الاستدلال بالأدنى على الأعلى، فدل على المنع من جميع أنواع الإيذاء.

ثم أكد هذا المعنى بقوله: وَلا تَنْهَرْهُما والنهر والنهي أخوان يقال: نهره وانتهره وإذا استقبله بكلام يزجره. وَقُلْ لَهُما بدل التأفيف والنهر قَوْلًا كَرِيماً جميلا مشتملا على حسن الأدب ورعاية دقائق المروة والحياء والاحتشام. وقال عمر بن الخطاب القول الكريم أن يقول له: «يا أبتاه» «يا أماه» دون أن يسميهما باسمهما. وقول إبراهيم لأبيه آزر بالضم على النداء، تقديم لحق الله على حق الأبوين. قالوا: ولا بأس به في الغيبة كما قالت عائشة:

نحلني أبو بكر كذا، أو سئل سعيد بن المسيب عن القول الكريم فقال: هو قول العبد المذنب للسيد الفظ وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ ذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين:

الأول أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحيه فلهذا صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير فكأنه قال للولد: اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك في حال صغرك. والثاني أن الطائر أذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه، وإذا أراد النزول خفض جناحه، فصار خفض الجناح كناية عن فعل التواضع وترك الارتفاع. وفي إضافة الجناح إلى الذل وجهان: الأول أنها كإضافة حاتم إلى الجود في قولك: «حاتم الجود» فالأصل فيه الجناح الذليل أو الذلول. والثاني سلوك سبيل الاستعارة كأنه تخيل للذل جناحا ثم أثبت لذلك الجناح خفضا كقول لبيد: إذ أصبحت بيد الشمال زمامها. فأثبت للشمال يدا ثم وضع زمام الريح في يد الشمال. وقوله: مِنَ الرَّحْمَةِ في «من» معنى التعليل أي من أجل فرط الشفقة والعطف عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها وَلكن قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي ليس المراد رحمة مثل رحمتهما عليّ. وأما الكاف فلاقتران الشيئين في الوجود أي كما وقع تلك فتقع هذه. والتربية التنمية ربا الشيء إذا انتفخ وزاد. قال بعض المفسرين: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة:

١١٣] وقيل: مخصوصة لأن التخصيص أولى من النسخ، وقيل: لا نسخ ولا تخصيص لأن الوالدين إذا كانا كافرين فله أن يدعو الله لهما بالهداية والإرشاد وأن يطلب الرحمة

<<  <  ج: ص:  >  >>