قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً [النساء: ٢٢] . وإنما نبهناك عليه لئلا يقتدي به غيره في السهو.
ولما فرغ من التكليف بالاحتياط في مبدأ حال الإنسان شرع بالتكليف بالاحتياط في آخر عمره فقال: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وفي التصريح بالتحريم بعد النهي تأكيد للخطر. ولا ريب أن الأصل في قتل الإنسان هو التحريم لأنه ضرر، والأصل في المضار الحرمة، ولأن الإنسان خلق للاشتغال بالعبادة وإنه لا يتم إلا بالحياة وكمال البنية، ولكن الحل إنما يثبت لأسباب عرضية فلهذا قال: إِلَّا بِالْحَقِّ وهذا بحمل فبين ذلك الحق بقوله: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً أي تسلطا على استيفاء القصاص. فظاهر الآية دل على أنه لا سبب لحل القتل إلا إذا قتل مظلوما، وظاهر
قوله عليه السلام «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق»«١» .
يقتضي ضم شيئين آخرين إليه فرعا على القول بتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد. ويحتمل أن يقال قوله: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً. كلام مستأنف، والحديث بتمامه تفسير لقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ فلا يلزم التفريع المذكور. ثم إنه دلت آية أخرى على حصول سبب رابع هو قوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المائدة: ٣٣] وآية أخرى على سبب خامس وهو الكفر الأصلي: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [البقرة: ١٩١] هذا وقد أبدى الفقهاء أسبابا أخر منها: أن تارك الصلاة يقتل عند الشافعي دون أبي حنيفة، وكذا اللائط. ومنها الساحر إذا قال: قتلت فلانا بسحري.
وجوز بعضهم قتل من يمنع الزكاة أو يأتي البهيمة، والذين منعوا القتل في هذه الصور قالوا: الأصل حرمة القتل كما بيناه فلا يترك هذا الدليل إلا لمعارض أقوى لا أقل من المساوي وهو النص المتواتر. ثم إنه سبحانه أثبت لوليّ الدم سلطانا. ولم يبين أن هذه السلطنة تحصل فيما ذا فقيل: إنه قال: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ عرف أن تلك السلطنة إنما تحصل في استيفاء القتل. وقيل: معنى قوله: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إنه لما حصلت له سلطنة استيفاء القصاص وسلطنة استيفاء الدية بقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى إلى قوله: فَمَنْ عُفِيَ [البقرة: ١٧٨] الآية. فالأولى به أن لا يقدم على استيفاء القتل
(١) رواه البخاري في كتاب الديات باب ٦. مسلم في كتاب القسامة حديث ٢٥، ٢٦. أبو داود في كتاب الحدود باب ١. الترمذي في كتاب الحدود باب ١٥. النسائي في كتاب التحريم باب ٥، ١١. الدارمي في كتاب السير باب ١١. أحمد في مسنده (١/ ٦١) (٦/ ١٨١) .