وأجيب بأن دلالة كل شيء على وجود الصانع معلومة على الإجمال دون التفصيل لأنك إذا أخذت تفاحة واحدة فلا شك أنها مركبة من أجزاء لا تتجزأ، ولكن عدد تلك الأجزاء وصفة كل منها من الطبع والطعم واللون والحيز والجهة وغيرها لا يعلمها إلا الله. وأيضا الخطاب للمشركين، وإنهم وإن كانوا مقرين بالخالق، إلا أنهم لما أثبتوا له شريكا وأنكروا قدرته على البعث والإعادة ولم ينظروا في المعجزات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فكأنهم لم يفقهوا التسبيح إذ لم يتوسلوا به إلى نتيجة النظر الصحيح ولهذا ختم الآية بقوله: إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً حين لا يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء نظركم، وزعم بعض الظاهريين أن ما سوى الحي المكلف يسبح الله باللسان أيضا كل بلغته ولسانه الذي لا نعرفه نحن ولا نفقهه. وزعم أيضا أن الحيوان إذا ذبح لا يسبح وكذا غصن الشجرة إذا كسر، فأورد عليه أن كونه جمادا لا يمنع من كونه مسبحا فكيف صار ذبح الحيوان مانعا له عن التسبيح. وكذا كسر الغصن، ويمكن أن يجاب بأن تسبيح كل شيء لعله يختص بتركيبه الذي خلق عليه فإذا أبطل ذلك التركيب وفك ذلك النظم لم يبق مسبحا مطلقا ولا على ذلك النحو. واعترض عليه أيضا بأنه إذا جاز في الجمادات أن تكون عالمة بذات الله سبحانه وبصفاته مسبحة له مع أنها ليس بأحياء انسدّ علينا باب العلم بكونه تعالى حيا لأنا نستدل بكونه عالما قادرا على كونه حيا. ويمكن أن يجاب بأنا نستدل على حياته تعالى بالإذن الشرعي، ولو سلم أن العلم يستلزم الحياة عقلا فقد قيل: إن لكل موجود حياة تليق به.
ولما فرغ من الإلهيات شرع في النبوّات فقال: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ قيل: نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن عليهم.
يروى أنه كان كلما قرأ القرآن قام عن يمينه وعن يساره أحزاب من ولد قصيّ يصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار. وعن أسماء. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ومعه أبو بكر إذا أقبلت امرأة أبي لهب ومعها حجر فهر تريد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تقول:
مذمما أتينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا. فقال أبو بكر: يا رسول الله إن معها حجرا أخشى عليك. فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات. فجاءت وما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت: إن قريشا قد علمت أني ابنة سيدها وإن صاحبك هجاني فقال أبو بكر: ورب هذه الكعبة ما هجاك.
وعن ابن عباس: أن أبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا جهل وغيرهم كانوا يجالسون الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمعون حديثه. فقال النضر يوما: ما أدري ما يقول محمد غير أني أرى شفتيه تتحركان بشيء. وقال أبو سفيان: إني