الجسم عرضا محال. وبتقدير التسليم فالموت كيف يقبل الحياة لأن الضد يمتنع أن يقبل الضد. وفي قوله: قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بيان كاف وبرهان شاف لأنه لما سلم أن خالق الحيوان هو الله فتلك الأجسام في الجملة قابلة للحياة والعقل وإله العالم عالم بجميع الجزئيات والكليات فلا يشتبه عليه أجزاء بدن كل من الأموات، وإذا قدر على جعلها متصفة بالحياة في أول الأمر فلأن يقدر على إعادتها إلى الحياة في ثاني الحال أولى. ألزمهم أوّلا بأن البعث أمر ممكن وإن فرضتم بدن الميت أي شيء أردتم فكأنهم سلموا إمكانه ولكن تجاهلوا وتغافلوا عن تعيين المعيد فقالوا: مَنْ يُعِيدُنا فأجاب بأنه الفاطر الأول. ثم زادوا في الاعتراض فسألوا عن تعيين الوقت يقينا وذلك قوله:
فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ أي فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء. قال أبو الهيثم: يقال للرجل إذا أخبر بشيء فحرك رأسه إلى فوق وإلى أسفل إنكارا له أنغض رأسه. قال المفسرون «عسى» من الله واجب فعلم منه قرب وقت البعث، ولكن وقته على التعيين مما استأثر الله بعلمه. لا يقال كيف يكون قريبا وقد انقرض أكثر من سبعمائة سنة ولم يظهر لأنا نقول: كل ما هو آت قريب، وإذا كان ما مضى أكثر مما بقي فإن الباقي قليل. قوله:
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ منتصب باذكروا والمراد يوم يدعوكم كان ما كان، أو هو بدل من قَرِيباً والمعنى عسى أن يكون البعث يوم يدعوكم بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة.
يروى أن إسرافيل ينادي: أيها الأجسام البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت.
والاستجابة موافقة الداعي فبما دعا إليه وهي مثل الإجابة بزيادة تأكيد لما في السين من طلب الموافقة، قال في الكشاف: الدعاء والاستجابة كلاهما مجاز، والمعنى يوم يبعثكم فتبعثون مطاوعين منقادين لا تمتنعون.
وقوله: بِحَمْدِهِ حال منهم أي حامدين وهي مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بأمر يشق عليه: ستأتي به وأنت حامد شاكر أي متهيء إلى حالة تحمد الله وتشكره على أن اكتفى منك بذلك العمل، وهذا يذكر في معرض التهديد. وقال سعيد بن جبير: يخرجون من قبورهم وينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك. وقال قتادة: بحمده أي بمعرفته وطاعته لأن التسبيح والتحميد معرفة وطاعة ومن هنا قال بعضهم: حمدوا حين لا ينفعهم الحمد. وقال آخرون: الخطاب مختص بالمؤمنين لأنهم الذين يليق بهم الحمد لله على إحسانه إليهم وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا عن قتادة: تحاقرت الدنيا في أنفسهم حين عاينوا الآخرة ومثله قول الحسن: معناه تقريب