للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه البنية، أو جسما داخلا فيها أو خارجا عنها أو عرضا. أما المتكلمون فالجمهور منهم ذهبوا إلى أن الإنسان هو هذا الهيكل المحسوس، وزيف بأن البدن دائما في التغير والتبدل. والمشار إليه بأنا واحد من أول العمر إلى آخره، وبأن الإنسان غير غافل عن نفسه حين ما يكون ذاهلا عن أجزاء بدنه، بأن النصوص الواردة في القرآن والخبر كقوله عز من قائل: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ [البقرة: ١٥٤] ، يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي [الفجر: ٢٨] النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا [الرمز: ٤٦]

وكقوله صلى الله عليه وسلم: «أولياء الله لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار» «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران» «١»

وقوله في خطبة طويلة: «حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش ويقول يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حله وغير حله فالهناء لغيري والتبعة عليّ فاحذر وأمثل ما حل بي»

توجب مغايرة النفس للبدن، وبأن جميع فرق الدنيا من أرباب الملل والنحل يتصدقون عن موتاهم يزورونهم ويدعون لهم بالخير، وبأن الميت قد يرى في المنام فيخبر عن أمور غائبة وتكون كما أخبر، وبأن الإنسان قد يقطع عضو من أعضائه ويعلم يقينا أنه هو الذي كان قبل ذلك، وبثبوت المسخ في حق طائفة من أهل الكتاب وليس المسخ إلا تغيير البنية مع بقاء الحقيقة، وبأن جبرائيل قد رؤي في صورة دحية، وإبليس رؤي في صورة الشيخ النجدي، فعلم أن لا عبرة بالبنية، وبأن الزاني يزني بفرجه فيضرب على ظهره، فعلم أن المتلذذ والمتألم شيء آخر سوى العضوين، وبأنا نعلم ضرورة أن العالم الفاهم للخطاب إنما هو في ناحية القلب ليس جملة البدن ولا شيئا من الأعضاء. أما إن قيل: الإنسان جسم هو في داخل البدن. فاعلم أن أحدا من العقلاء لم يقل بأن الإنسان عبارة عن الأعضاء الكثيفة الصلبة التي غلبت عليها الأرضية كالعظم والغضروف والعصب والوتر والرباط والشحم واللحم والجلد، ولكن منهم من قال: إنه الجسم الذي غلب عليه المائية من الأخلاط الأربعة، أعني الدم بدليل أنه إذا خرج لزم الموت. ومنهم من قال: إنه الذي غلب عليه الهوائية والنارية وهو الروح الذي في القلب، أو جزء لا يتجزأ في الدماغ، ومنهم من يقول: اختلطت بهذه الأرواح القلبية والدماغية أجزاء نارية مسماة بالحرارة الغريزية وهي الإنسان. ومنهم من قال: إذا تكوّن بدن الإنسان وتم استعداده نفذت فيه أجرام سماوية نورانية لطيفة الجوهر على طبيعة ضوء الشمس غير قابلة للتبديل والتحويل ولا للتفرق والتمزق، نفوذا يشبه نفوذ النار في الفحم والدهن في


(١) رواه الترمذي في كتاب القيامة باب ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>