للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسرار التوحيد ونعوت الجلال والإكرام وأحوال الملائكة والأنبياء وسائر النفوس المقدسة، وعلى كيفية القضاء والقدر وتعلق أحوال العالم السفلي بالعالم العلوي والشهادة بالغيب وارتباط أحدهما بالآخر. وأما أنه نعمة علينا فلأنا نستفيد منه أيضا مثل ذلك ونعرف منه الأحكام الشرعية المفضية إلى إصلاح المعاش والمعاد. وفي انتصاب قَيِّماً وجوه فاختار صاحب الكشاف أن يكون منصوبا بمضمر أي جعله وأنزله قيما. وأبى أن يكون حالا لأن العطف يدل على تمام الكلام وجعله حالا يدل على نقصانه. قال جامع الأصفهاني: هما حالان متواليان إلا أن الأولى جملة والثانية مفرد. وقيل: حال من الضمير في قوله: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ وفائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة هي التأكيد، فرب مستقيم في الظاهر لا يخرج عن أدنى عوج في الحقيقة هذا تفسير ابن عباس. ويحتمل أن يراد أنه قيم على سائر الكتب مصدّق لها شاهد بصحتها، وأنه قيم بمصالح العباد وما لا بد لهم منه من الشرائع والأحكام، وعلى هذا يكون قوله: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً إشارة إلى أنه كامل في ذاته، مبرأ عن الاختلاف والتناقض، مشتمل على كل ما هو في نفس الأمر حق وصدق. وقوله: قَيِّماً إشارة إلى أنه مكمل لغيره مصلح بحسن بيانه وإرشاده لأحوال معاشه ومعاده، فتكون الآية نظير قوله في أول «البقرة» : لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ثم أراد أن يفصل ما أجمله في قوله فيما قال: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وحذف المنذر للعلم به بعمومه ولتطهير اللسان عن ذكره أي لينذر الذين كفروا عذابا أليما صادرا من عنده. والأجر الحسن الجنة بدليل قوله: ماكِثِينَ فِيهِ وهو حال من الضمير في لَهُمْ ثم كرر الإنذار وذكر المنذر لخصوصه وحذف المنذر به وهو البأس الشديد لتقدم ذكره. وقد تذكر قضية كلية ثم يعطف عليها بعض جزئياتها تنبيها على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي. ففي عطف الإنذار المخصوص على الإنذار المطلق دليل على أن أقبح أنواع الكفر والمعصية إثبات الولد لله تعالى على ما زعم بعض كفار قريش من أن الملائكة بنات الله، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله. ثم قال:

ما لَهُمْ بِهِ أي بالولد أو باتخاذ الله إياه مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ وانتفاء العلم بالشيء إما بالجهل بالطريق الموصل إليه، وإما لأنه في نفسه محال فلا يتعلق به العلم لذلك وهو المراد في الآية، أي قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط وتقليد لآبائهم الذين هم مثلهم في الجهالة. قال جار الله: الضمير في قوله: كَبُرَتْ يعود إلى قولهم «اتخذ الله ولدا» وسميت كَلِمَةً كما يسمون القصيدة بها. قلت: ويجوز أن يعود إلى مضمر ذهني يفسره الظاهر كقولهم «ربه رجلا ونعمت امرأة عندي» . قال الواحدي:

<<  <  ج: ص:  >  >>