بأن المراد ما شاء الله مما تولى فعله لا ما هو من فعل العباد. والجواب أن هذا التقدير مما يخرج الكلام عن الفائدة فإنه كقول القائل «السماء فوقنا» . وأجاب القفال بأنه أراد ما شاء الله من عمارة هذا البستان ويؤيده قوله لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أي ما قويت به على عمارته وتدبير أمره فهو بمعونة الله، وزيف بأنه تخصيص للظاهر من غير دليل على أن عمارة ذلك البستان لعلها حصلت بالظلم والعدوان، فالتحقيق أنه لا قوة لأحد على أمر من الأمور إلا بإعانة الله وإقداره. عن عروة بن الزبير أنه كان يثلم حائطه أيام الرطب فيدخل من يشاء، وكان إذا دخله ردد هذه الآية حتى يخرج. ثم لما علمه الإيمان وتفويض الأمر إلى مشيئة الله أجابه عن افتخاره بالمال والنفر فقال: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ ف «أنا» فصل وأَقَلَّ مفعول ثان مالًا وَوَلَداً نصب على التمييز فعسى ربي أن يؤتيني في الدنيا أو في الآخرة جنة خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً هو مصدر كالغفران بمعنى الحساب أي مقدارا وقع في حساب الله وهو الحكم بتخريبها. وعن الزجاج: عذاب حسبان وهو حساب ما كسبت يداك. وقيل: هو جمع حسبانة وهو السهم القصير يعني الصواعق. فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أرضا بيضاء يزلق عليها زلقا لملاستها. وزلقا وغورا كلاهما وصف بالمصدر كقولهم «فلان زور وصوم» .
ثم أخبر سبحانه عن تحقيق ما قدره المؤمن فقال: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ وهو عبارة عن إهلاكه وإفنائه بالكلية من إحاطة العدوّ بالشخص كقوله: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يوسف:
٦٦] ، فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ أي يندم عَلى ما أَنْفَقَ فِيها لأن النادم يفعل كذلك غالبا كما قد يعض أنامله. وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي سقطت عروشها على الأرض وسقطت فوقها الكروم وقد مر في البقرة في قصة عزير. وقوله: يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ تذكر لموعظة أخيه وفيه دلالة ظاهرة على ما قلنا من أنه كان غير عارف بالله بل كان عابد صنم، ومن ذهب إلى أنه جعل كافرا لإنكاره البعث فسره بأن الكافر لما اغتر بكثرة الأموال والأولاد فكأنه أثبت لله شريكا في إعطاء العز والغنى، أو أنه لما عجز الله عن البعث فقد جعله مساويا لخلقه في هذا الباب وهو نوع من الإشراك. وليس هذا الكلام منه ندما على الشرك ورغبة في التوحيد المحض ولكنه رغب في الإيمان رغبة في جنته وطمعا في دوام ذلك عليه، فلهذا لم يصر ندمه مقبولا ووصفه بعد ذلك بقوله: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ طائفة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ لأنه وحده قادر على نصرة العباد. وَما كانَ مُنْتَصِراً ممتنعا بقوته عن انتقام الله. ولما علم من قصة الرجلين أن النصرة والعاقبة المحمودة كانت للمؤمن على الكافر علم أن الأمر هكذا يكون في حق كل مؤمن وكافر فقيل هُنالِكَ أي في مثل ذلك الوقت والمقام والولاية الحق لله أو الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ