للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك. فقال لفتاه: إذا فقدت الحوت فأخبرني، فذهبا يمشيان فرقد موسى عليه السلام فاضطرب الحوت ووقع في البحر، فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر فأتيا الصخرة فإذا رجل مسجى بثوبه فسلم عليه موسى عليه السلام فقال: وأنى بأرضنا السلام فعرفه نفسه فقال: يا موسى أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا. فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع في حرفها فنقر في الماء فقال الخضر: ما ينقص علمي وعلمك من علم الله مقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر.

قلت: وهذا صحيح لأن علم الإنسان متناه وعلم الله غير متناه، ولا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي أصلا.

ولنرجع إلى التفسير قال الزجاج وتبعه جار الله: لا أَبْرَحُ بمعنى لا أزال، وقد حذف الخبر لدلالة حال السفر عليه ولأن قوله: حَتَّى أَبْلُغَ غاية مضروبة فلا بد لها من ذي غاية. فالمعنى لا أزال أسير إلى أن أبلغ، وجوز أن يكون المعنى لا أبرح سيري حتى أبلغ على أن حَتَّى أَبْلُغَ هو الخبر، وحذف المضاف وهو السير وأقيم المضاف إليه- وهو ياء المتكلم- مقامه فانقلب الفعل من لفظ الغائب إلى لفظ المتكلم وجوز أيضا أن يكون لا أبرح، بمعنى لا أزول من برح المكان، والمعنى لا أبرح ما أنا عليه أي لا أترك المسير والطلب حتى أبلغ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ يعني ملتقى بحري فارس والروم وقد شرحنا وضع البحار في سورة البقرة في تفسير قوله: الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ [الآية: ١٦٤] . وقيل: أراد طنجة، وقيل إفريقية. ومن غرائب التفسير أن البحرين موسى والخضر لأنهما بحر العلم، وهذا مع غرابته مستبشع جدا لأن البحرين إذا كان هو موسى عليه السلام فكيف يصح أن يقول: حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ إذ يؤل حاصل المعنى إلى قولنا حتى أبلغ مكانا يجتمع فيه بحران من العلم أحدهما أنا أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً أسير زمانا طويلا. قال جار الله: الحقب بالضم ثمانون سنة. ويقال: أكثر من ذلك.

وقيل: إنه تعالى أعلم موسى حال هذا العالم وما أعلمه بعينه فقال موسى: لا أزال أمضي حتى يجتمع البحران فيصيرا بحرا واحدا أو أمضي دهرا طويلا حتى أجد هذا العالم، وهذا إخبار من موسى عليه السلام بأنه وطن تحمل التعب الشديد إلى أن يلقاه، وفيه تنبيه على شرف العلم وأن طلب العلم يحق له أن يسافر، ويتحمل المتاعب في الطلب من غير ملال وكلال. فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما قال جمهور المفسرين: الضمير للبحرين أي تحقق ما موسى وبلغ المكان الذي وعد فيه لقاء الخضر. ولا بد للبين من فائدة، ولعل المراد حيث يكاد يلتقي وسط ما امتد من البحرين طولا. والإضافة بمعنى «في» أي مجمعا في وسط البحرين فيكون كالتفصيل لمجمع البحرين، والبيان والإيضاح بكلام علام الغيوب تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>