دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال: ٢٤] . ولهذا كان من أول من آمن بعيسى. وقيل: لأنه استشهد والشهداء أحياء. وقيل: لأن الدين أحيى به لأن زكريا سأله لأجل الدين. قوله:
وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ قال جار الله: أي من أجل الكبر والطعن في السن العالية ف «من» للتعليل، ويجوز أن تكون للابتداء أي بلغت من مدارج الكبر ومراتبه ما يسمى عِتِيًّا وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام. يقال: عتا العود عتيا إذا غيره طول الزمان إلى حالة اليبس.
سؤال: إنه قال في آل عمران وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ [آل عمران: ٤٠] فلم عكس الترتيب في هذه السورة؟ وأجيب بأن الواو لا تفيد الترتيب. قلت: إن ذلك ورد على الأصل وهو تقديم نقص نفسه وهاهنا راعى الفاصلة. قالَ الأمر كَذلِكَ تصديقا له. ثم ابتدأ قائلا قالَ رَبُّكَ فمحل كَذلِكَ رفع، ويحتمل أن يكون نصبا قالَ وذلك إشارة إلى مبهم يفسره قوله: هُوَ أي خلق الغلام عَلَيَّ هَيِّنٌ ويحتمل أن يكون إشارة إلى قول زكريا أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ أي كيف تعطيني الغلام أبأن تجعلني وزوجتي شابين أو بأن تتركنا على الشيخوخة؟ فأجيب بقوله: كَذلِكَ أي نهب الولد لك مع بقائك وبقاء زوجتك على حالتكما. ولفظ الهين مجاز عن كمال القدرة وهو فيعل من هان الشيء يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع عن المراد وَلَمْ تَكُ شَيْئاً لأن المعدوم ليس بشيء أو شيئا يعتد به كالنطفة، أو كالجواهر التي لم تتألف بعد، فيه نفي استبعاد زكريا، لأن خلق الذات ثم تغييرها في أطوار الصفات ليس أهون من تبديل الصفات وهو أحداث القوة المولدة في زكريا وصاحبته بعد أن لم تكن قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قد مر تفسير الآية في أول عمران. قوله: سَوِيًّا قيل: إنه صفة لليالي أي تامة كاملة. والأكثرون على أنه صفة زكريا أي وأنت سليم الحواس مستوى الخلق ما بك خرس ولا عيّ فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ قيل: كان له موضع ينفرد فيه للصلاة والعبادة ثم ينتقل إلى قومه. وقيل: كان موضعا يصلي فيه هو وغيره إلا أنهم كانوا لا يدخلونه للصلاة إلا بإذنه. فَأَوْحى إِلَيْهِمْ عن مجاهد: أشار بدليل قوله في أول آل عمران إِلَّا رَمْزاً وعن ابن عباس: كتب لهم على الأرض. وأَنْ هي المفسرة وسَبِّحُوا أي صلوا أو على الظاهر وهو قول سبحان الله. عن أبي العالية أن البكرة صلاة الفجر والعشيّ صلاة العصر، فلعلهم كانوا يصلون معه هاتين الصلاتين في محرابه، وكان يخرج إليهم ويأذن لهم بلسانه، فلما اعتقل لسانه خرج إليهم كعادته ففهمهم المقصود بالإشارة أو الكتابة. وهاهنا إضمار والمراد فبلغ يحيى المبلغ الذي يجوز أن يخاطب فقلنا له: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ أي التوراة لأنها