وعن السدي: كانت من أولاده والمراد أنها واحدة منهم كما يقال يا أخا همدان أي يا واحدا منهم. وقيل: أرادوا رجلا صالحا في زمانها أي كنت عندنا مثله في الصلاح. ويحكى أنه تبع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمى هارون تبركا به وباسمه. وقيل: كان رجلا طالحا معلنا بالفسق فسموها به وبالتشبيه بسيرته. ويروى أنهم هموا برجمها فَأَشارَتْ إِلَيْهِ أي أن عيسى هو الذي يحكم. وبم عرفت ذلك؟ إما بأن كلمها في الطريق أو بالإلهام أو بالوحي إلى زكريا أو يقول جبريل على أن أمرها بالسكوت بعد ما سبق من البشارة قيل: كان المستنطق لعيسى زكريا. وعن السدي: لما أشارت إليه غضبوا وقالوا لسخريتها بنا أشد علينا من زناهم ثم قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ قال جار الله: «كان» لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح للقريب والبعيد، وهاهنا للزمان القريب عن الحال بدلالة الحال، أو هو حكاية حال ماضية أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس صَبِيًّا في المهد حتى تكلم هذا، ويحتمل أن يقال:«كان» زائدة نظرا إلى أصل المعنى وإن كان يفيد زيادة ارتباط مع رعاية الفاصلة، أو هي تامة صَبِيًّا حال مؤكدة. يروى أنه كان يرضع فلما سمع مقالتهم ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه وتكلم مع جاره وأشار بسبابته قائلا: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ فكان فيه أوّلا رد قول النصارى:
آتانِيَ الْكِتابَ هو الإنجيل والتوراة أي فهمها. وقيل: أكمل الله عقله واستنبأه طفلا بل في بطن أمه. وقيل: أراد أنه سبق في قضائه، أو جعل الآتي لا محالة كأنه قد وجد والأول أظهر وصغر الجسم لا مدح في كمال العقل وخرق العادة فيه أكذا قالوا إن كمال عقله في ذلك الوقت خارق للعادة. فيكون المعجز متقدما على التحدي وهو غير جائز ولو كان نبيا في ذلك الوقت وجب أن يشتغل ببيان الشرائع والأحكام ولو وقع ذلك لاشتهر ونقل. والجواب أن بعض معجزات النبي لا بد أن يكون مقرونا بالتحدي، أما الكل فممنوع، وبعبارة أخرى لا بد أن يكون مقرونا بفعل خارق عن العادة، ولكن كل فعل خارق للعادة فإنه لا يلزم اقترانه بالتحدي، وكذا الكلام في بيان الشرائع فإن بعض أوقات النبي لا بد أن يقترن به التحدي دون كل أوقاته وحالاته، على أنه أشار إلى بعض التكاليف بقوله: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ كما يجيء. وعن بعضهم أنه كان نبيا لقوله:
وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ولكنه ما كان رسولا لأنه ما جاء بالشريعة في ذلك الوقت ومعنى كونه نبيا أنه رفيع القدر عليّ الدرجة، وضعف بأن النبي في عرف الشرع أخص من ذلك.
ومعنى قوله: مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ نفاعا حيثما كنت روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل معلما للخير، وضلال كثير من أهل الكتاب باختلافهم فيه لا يقدح في منصبه كما قيل: