للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة والأنبياء أو جوارحهم فيه بالكفر والقبائح، أو من مكان الشهادة أو وقتها. وقيل:

هو ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه يوم ولادته. ومعنى «من» التعليل أي الويل لهم من أجل المشهد وبسببه قال أهل البرهان: إنما قال هاهنا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وفي جم الزخرف فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا [الآية: ٦٥] لأن الكفر أبلغ من الظلم، وقصة عيسى في هذه السورة مشروحة وفيها ذكر نسبتهم إياه إلى الله حتى قال: ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ فذكر بلفظ الكفر، وقصتهم في الزخرف مهملة فوصفهم بلفظ دونه وهو الظلم.

قلت: ويحتمل أن يقال: الظلم إذا أريد به الشرك كان أخص من الكفر فعمم أولا ثم خصص لأن البيان بالمقام الثاني أليق أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ صيغتان للتعجب والمراد أن هاتين الحاستين منهم جديران بتعجب منهما في ذلك اليوم بعد ما كانوا صما وعميا في الدنيا، وذلك لكشف الغطاء ولحاق العيان بالخبر. والتعجب استعظام الشيء بسبب عظمه، ثم جوز استعمال لفظ التعجب عند مجرد الاستعظام من غير خفاء السبب أو من غير سبب.

قال سفيان: قرأت عند شريح بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات: ١٢] فقال: إن الله لا يعجب من شيء إنما يعجب من لا يعلم. فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: إن شريحا شاعر يعجبه علمه وعبد الله أعلم بذلك منه. والمعنى أنه صدر من الله فعل لو صدر مثله عن الخلق لدل على حصول التعجب في قلوبهم. وقيل: معنى الآية التهدد بما سيسمعون وسيبصرون مما يسوءهم. وقيل: أراد أسمع بهؤلاء وأبصر أي عرفهم مآل القوم الذين يأتوننا ليعتبروا وينزجروا عن الإتيان بمثل فعلهم. وقال الجبائي أن يراد أسمع الناس بهؤلاء وأبصرهم ليعتبروا بسوء عاقبتهم والوجه هو الأول يؤيده قوله: لكِنِ الظَّالِمُونَ أي لكنهم فوضع المظهر موضع المضمر. الْيَوْمَ وهو يوم التكليف فِي ضَلالٍ مُبِينٍ حيث أغفلوا النظر والاستماع وتركوا الجد والاجتهاد في تحصيل الزاد للمعاد وهو يَوْمَ الْحَسْرَةِ لتحسر أهل النار فيه. وقيل: أهل الجنة أيضا إذا رأى الأدنى مقام الأعلى، والأول أصح لأن هذه الخواطر لا توجد في الجنة لأنها دار السرور. وإِذْ بدل من يوم الحسرة أو منصوص بالحسرة. ومعنى قُضِيَ الْأَمْرُ فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنه فقال: «يؤتى بالموت فيذبح كما يذبح الكبش والفريقان ينظران فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرح وأهل النار غما إلى غم» «١»

قال أرباب المعقول: إن الموت عرض فلا يمكن أن يصير حيوانا فالمراد أنه لا


(١) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب: ٥١. مسلم في كتاب الجنة حديث ٤٠، ٤٣. الترمذي في كتاب الزهد باب: ٣٩. ابن ماجه في كتاب الزهد باب: ٣٨. أحمد في مسنده (٢/ ١١٨، ١٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>