تجديد الإيمان. والجواب أنه إذا كان المذكورون هم الكفرة أو اليهود- كما رويناه عن ابن عباس- سقط الاستدلال. واحتجت الأشاعرة في أن العمل ليس من الإيمان لأن العطف دليل التغاير. وأجاب الكعبي بأنه عطف الإيمان على التوبة مع أنها من الإيمان، ومنع من أن التوبة من الإيمان ولكنها شرطه لأنها العزم على الترك والإيمان إقرار باللسان، وإنما حذف الموصوف هاهنا وقال في الفرقان وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً [الفرقان: ٧٠] لأنه أوجز في ذكر المعاصي فأوجز في التوبة وأطال هناك فأطال هناك. وهذا الاستثناء بحسب الغالب فقد يتوب عن كفره ويؤمن ولم يدخل بعد وقت الصلاة، أو كانت المرأة حائضا ثم مات فهو من أهل النجاة مع أنه لم يعمل صالحا. ومعنى لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً لا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم بل يضاعف لهم تفضلا تنبيها على أن تقدم الكفر لا يضرهم بعد أن يتوبوا، ويحتمل أن ينتصب شَيْئاً على المصدر أي شيئا من الظلم. ومعنى جَنَّاتِ عَدْنٍ قد مر في سورة التوبة في قوله: وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ [التوبة: ٧٢] وصفها الله تعالى بالإقامة والدوام خلاف ما عليه جنان الدنيا. ولما كانت الجنة مشتملة على جنات عدن أبدلت منها، ويحتمل انتصابها على الاختصاص وكذا انتصاب «التي» .
قال جار الله: عدن علم بمعنى العدن وهو الإقامة وهو علم لأرض الجنة لكونها مكان إقامة ولولا ذلك لما ساغ الإبدال، لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة. ولما ساغ وصفها ب «التي» ومعنى بِالْغَيْبِ مع الغيبة أي وعدوها وهي غائبة عنهم غير حاضرة، أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها، أو الباء للسببية أي وعدها عباده بسبب تصديق الغيب والإيمان به خلاف حال المنافقين. وقوله: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا بالأول أنسب وهو مفعول بمعنى «فاعل» ، أو على أصله لأن ما أتاك فقد أتيته. وجوز في الكشاف أن يكون.
من قولك:«أتى إليك إحسانا» أي كان وعده مفعولا منجزا. قوله: إِلَّا سَلاماً استثناء متصل على التأويل لأن اللغو فضول الكلام وما لا طائل تحته كما تقدم في يمين اللغو في «البقرة» وفي «المائدة» أي إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم لغوا فلا يسمعون لغوا إلا ذلك كقولهم «عتابك السيف» . أو استثناء منقطع أي لا يسمعون فيها إلا قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة، ويجوز أن يكون متصلا بتأويل آخر وهو أن معنى السلام الدعاء بالسلامة وأهل دار السلام عن الدعاء بالسلامة أغنياء، فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام. وفي الآية تنبيه ظاهر على وجوب اتقاء اللغو حيث نزه الله عنه الدار التي لا تكليف فيها. ثم إنه سبحانه من عادته ترغيب كل قوم بما أحبوه في الدنيا فلذلك ذكر أساور من الذهب والفضة لبس الحرير التي كانت للعجم والأرائك التي هي الحجال المضروبة على الأسرة، وكانت من عادة أشرف