للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراتب التوحيد أربع: الإقرار باللسان، ثم الاعتقاد بالقلب، ثم تأكيد ذلك الاعتقاد بالحجة، ثم الاستغراق في بحر المعرفة بحيث لا يدور في خاطره سوى الأحد الصمد.

والأول بدون الثاني نفاق، والثاني بدون الأول غير مفيد إلا إذا لم يجد مهلة كما إذا نظر وعرف فمات.

ويروى أن ملك الموت مكتوب في جبهته «لا إله إلا الله» حتى إذا رآه المؤمن تذكر كلمة الشهادة فيكفيه ذلك

ويؤيده ما

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان» «١»

والإقرار بدون الثالث إيمان المقلد وفيه خلاف مشهور والأصح أنه مقبول، وأما المقام الرابع فهو مقام الصديقين والخاصة من عباد الله، ومبتداه تفريق ونقص وترك ورفض على ما قرره المحققون، وآخره الفناء في الله والبقاء به.

قال النحويون: لا إله إلا الله تقديره لا إله في الوجود إلا الله. وقال أهل العرفان:

معناه لا إله في الإمكان إلا الله. روي أن موسى بن عمران قال: يا رب علمني شيئا أذكرك به. فقال: قل لا إله إلا الله. فقال: كل عبادك يقول. فقال: قل لا إله إلا الله. قال: إنما أردت شيئا تخصني به. قال: يا موسى لو أن السموات السبع ومن فوقهم في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن «لا إله إلا الله» . والبحث عن أسماء الله تعالى قد سلف في تفسير البسملة، وعن أسمائه الحسنى قد مر في «الأعراف» في قوله وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الأعراف: ١٨٠] . واعلم أن الموجودات على ثلاثة أقسام: كامل لا يحتمل الزيادة والنقصان وهو الله تقدس وتعالى، وناقص لا يحتمل الكمال سوى الصورة الكمالية التي جبل عليها كصغير الإنسان من المخلوقات وناقص يتقلب بين الأمرين فتارة يصعد إلى حيث يخبر عنه بأنه فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: ٥٥] وتارة يتسفل إلى أن يقال له ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ [التين: ٥] والكمال بالحقيقة لما ليس معرض الزوال فلا كمال في الصحة والجاه والمال وإنما الكمال في الانتساب إلى الكبير المتعال، وهو تحقيق نسبة العبدية المنبئة عن عزة الربوبية، وكل منتسب إلى بلد أو قبيلة فإنه يبالغ في مدحها حتى يلزم مدحه بالعرض فيجب على المكلف أن يذكر ربه بالأسماء الحسنى حتى يثبت بذلك شرفه ويحسن ذكره. إلهنا حسن الاسم دليل حسن المسمى، وحسن المسمى يدل على أنه لا يفعل القبيح ولا يزال مواظبا على الإحسان كما قيل:

يا حسن الوجه توق الخنا ... لا تخلطن الزين بالشين


(١) رواه البخاري في كتاب الإيمان باب: ١٥. مسلم في كتاب الإيمان حديث ١٤٧. أبو داود في كتاب اللباس باب: ١٦. الترمذي في كتاب الفتن باب: ١٧. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب:
٩. الدارمي في كتاب المقدمة باب: ٨. أحمد في مسنده (١/ ٢٨٢، ٣٩٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>