للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يوافق الاستماع، والأنف للشم، واليد للبطش، بل أعطى رجل الآدمي شكلا يوافق سعيه، ورجل الحيوانات الأخر شكلا يطابق مشيها، بل أعطى ذوات القرون رجلا توافق حاجتهن، وكذا الخف والحافر وذوات المخالب. وقيل: أراد وأعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة فجعل الحصان والحجر زوجين، وكذا البعير والناقة والرجل والمرأة. ومن قرأ خلقه بفتح اللام صفة للمضاف أو المضاف إليه والمفعول الثاني متروك أي كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه.

واعلم أن عجائب حكمة الله تعالى في مخلوقاته بحر لا ساحل له، وقد دون العلماء طرفا منها في كتب التشريح وخواص الأحجار والنبات والحيوان، ولنذكر هاهنا واحدا منها هي أن الطبيعي يقول: الثقيل هابط والخفيف صاعد، فالماء لذلك فوق الأرض والهواء فوق الماء والنار فوق الكل. ثم إنه سبحانه جعل العظم والشعر أصلب الأعضاء على طبيعة الأرض وجعل مكانهما فوق البدن. وجعل تحته الدماغ الذي هو بمنزلة الماء وجعل تحته النفس الذي هو الهواء، وجعل تحته الحرارة الغريزية في القلب كالنار ليكون دليلا على وجود الفاعل المختار خلاف ما يقوله الدهري والطبيعي وسائر الكفار. وأيضا اختصاص كل جسم بقوة وتركيب وهداية إما أن يكون واجبا أو جائزا، والأول محال وإلا لم يقع فيها تغير. والثاني يستدعي مرجحا فإن كان ذلك المرجح واجب الوجود لذاته فهو المطلوب، وإن كان جائز الوجود افتقر في اتصافه بالوجود إلى موجد، ولا بد من الانتهاء إلى موجد يجب وجوده لذاته. ثم إنه يستغني عن سمات النقص وشوائب الافتقار وليس إلا الله الواحد القهار.

قال أهل النظم: إن موسى عليه السلام لما قرر عليه أمر المبدأ قالَ فرعون إن كان وجود الواجب في هذا الحد من الظهور فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى لم يؤمنوا وجحدوا فعارض الحجة بالتقليد والبال الحال؟ أو أنه لما هدده بالعذاب في قوله أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى قال فما بالهم كذبوا فما عذبوا؟ فأجاب بأن هذا مما استأثر الله بعلمه وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما يخبرني به علام الغيوب. أو أنه سأله عن أحوال القرون الخالية وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد ليصرف موسى عن المقصود ويشغله بالحكايات خوفا من أن يميل قلوب ملته إلى حجته الباهرة ودلائله الظاهرة، فلم يلتفت موسى إلى حديثه بل قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ولا يتعلق غرضي بأحوالهم. ويجوز أن يكون الكلام قد انجر ضمنا أو صريحا إلى إحاطة الله سبحانه بكل شيء فنازعه الكافر قائلا: ما بال سوالف القرون في تمادي كثرتهم وتباعد أطرافهم كيف أحاط بهم وبأجزائهم

<<  <  ج: ص:  >  >>