على ما جاءنا بمعنى فيما جاءنا أي لن نميل إليك والحالة هذه. وعلى الوجه الأول ففحوى الكلام لن نترك طاعة خالقنا والتصديق بمعجزات نبيه لأجل هواك فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ بما شئت من العذاب إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا أي في مدة الحياة العاجلة. وقرىء تَقْضِي مبنيا للمفعول هذه الحياة بالرفع إجراء للظرف مجرى المفعول به اتساعا مثل صيم يوم الجمعة. والحاصل أن قضاءك وحكمك منحصر في مدة حياتنا الفانية، والإيمان وثمرته باق لا يزول، والعقل يقتضي تحمل الضرر الفاني للفوز بالسعادة الباقية وللخلاص من العقاب الأبدي وذلك قولهم إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا قال الحسن: سبحان الله قوم كفار ثبت في قلوبهم الإيمان طرفة عين فلم يتعاظم عندهم أن قالوا في ذات الله تعالى فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ والله إن أحدهم ليصحب القرآن ستين عاما ثم ليبيع دينه بثمن غبن.
ولما كان أقرب خطاياهم عهدا ما أظهروه من السحر قالوا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وفي هذا الإكراه وجوه: عن ابن عباس أن الفراعنة كانوا يكرهون فتيانهم على تعلم السحر ليوم الحاجة فكانوا من ذلك القبيل. وروي أنهم قالوا لفرعون: أرنا موسى نائما ففعل فوجده تحرسه عصاه، فقالوا: ما هذا بسحر الساحر لأن الساحر إذا نام بطل سحره فأبوا أن يعارضوه. وعن الحسن أنهم حشروا من المدائن مكرهين، وزعم عمر بن عبيد أن دعوة السلطان إكراه، وليس بقوي فلا إكراه إلا مع الخوف فحيثما وجد حكم بالإكراه وإلا فلا. وباقي الآيات ابتداء إخبار من الله أو هي من تتمة كلامهم فيه قولان، ولعل الأول أولى إِنَّهُ أي الشأن مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ أي حيث لا حكم إلا هو فيسقط استدلال المجسمة حال كون الآتي مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها موتة مريحة وَلا يَحْيى حياة ممتعة. قالت المعتزلة: صاحب الكبيرة مجرم وكل مجرم فإن له جهنم بالآية لعموم «من» الشرطية بدليل صحة الاستثناء فيحصل القطع بوعيد أصحاب الكبائر. أجابت الأشاعرة بأن المجرم كثيرا ما يجيء في القرآن بمعنى الكافر كقوله يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ إلى قوله وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر: ٤٦] ولا ريب أن التكذيب بالبعث والجزاء كفر، وكقوله إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين: ٢٩] إلى آخر السورة. فلم قلتم: إن المجرم هاهنا ليس بمعنى الكافر فتبطل المقدمة الأولى؟ سلمنا لكن المقدمة الثانية كليتها ممنوعة على الإطلاق وإنما هي كلية بشرط عدم العفو، وحينئذ لا يحصل القطع بالوعيد على الإطلاق. سلمنا المقدمتين والنتيجة لكنه معارض بعموم الوعد في قوله وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً فإن قيل: