للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد لم تر لأن ما قبله:

وتضحك مني شيخة عبشمية قلت: لعل هذا إنما يجوز في الضرورة ولا ضرورة وفي الآية فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ الحق بهم جنوده أو تبعهم ومعه جنوده كما مر في «يونس» فَغَشِيَهُمْ أي علاهم ورهقهم مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ وهذا من جملة ما علم في باب الإيجاز لدلالته على أنه غشيهم ما لا يعلم كنهه إلا الله، وقد سلف منه في السور المذكورة ما حكي في الأخبار وروي في الآثار. ونسبة الإضلال إلى فرعون لا تنافي انتهاء الكل إلى إرادة الله ومشيئته. وقوله وَما هَدى تأكيد للإضلال وفيه تهكم به في قوله وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ [غافر: ٣٨] ثم عدد ما أنعم به على بني إسرائيل، ويجوز أن يكون خطابا لليهود المعاصرين لأن النعمة على الآباء نعمة في حق الأبناء ومثله قوله وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ أي الواقع على يمين من انطلق من مصر إلى الشام لأن منفعة المواعدة عادت إليهم وإن كانت المواعدة لنبيهم فبكتب التوراة في ألواح قام شرعهم واستقام أمر معاشهم ومعادهم. كُلُوا من تتمة القول. وطغيانهم في الرزق هو شغلهم باللهو والتنعم عن القيام بشكرها وتعدي حدود الله فيها بالإسراف والتقتير والغصب. ومن قرأ فَيَحِلَّ بالكسر فبمعنى الوجوب من قولهم «حل الدين يحل» إذا وجب أداؤه، ومن قرأ بالضم فبمعنى النزول ونزول الغضب نزول نتائجه من العقوبات والمثلات. ومعنى هَوى هلك وأصله السقوط من مكان عال كالجبل. وقيل: هوى أي وقع في الهاوية.

سؤال: كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب؟ وأيضا ما معنى قوله ثُمَّ اهْتَدى بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها؟ الجواب أراد وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا. وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان. والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور، ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه في خلال ذلك كقوله إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [النساء: ٣١] وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة كقوله إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا [فصلت: ٣٠] ومعنى «ثم» الدلالة على تباين المرتبتين، فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها كما قيل:

لكل إلى شأو العلى حركات ... ولكن عزيز في الرجال ثبات

ونظير هذا العطف قوله أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا [الأعراف: ٤] وقد مر البحث

<<  <  ج: ص:  >  >>