وذكر السدي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة أن الله تعالى لما أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة حل فيها وحده وما كان معه من يستأنس به، فألقى الله تعالى عليه النوم، ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ووضع مكانه لحما وخلق حواء منه، فلما استيقظ وجد عند رأسه امرأة قاعدة. فسألها من أنت؟ قالت امرأة.
قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ. فقالت له الملائكة امتحانا لعلمه: ما اسمها؟ فقال:
حواء. قالوا: ولم؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي. قيل: فلما أراد آدم مد يده إليها منعته الملائكة وقالوا: أمهرها. قال: فما صداقها؟ قالوا: أن تصلي على محمد وآله. قال: ومن محمد؟ قالوا: من أولادك خاتم النبيين ولولاه لما خلقت.
وعن ابن عباس قال: بعث الله جندا من الملائكة فحملوا آدم وحواء عليهما السلام على سرير من ذهب كما يحمل الملوك ولباسهما النور، على كل واحد منهما إكليل من ذهب مكلل بالياقوت واللؤلؤ، وعلى آدم منطقة مكللة بالدرّ والياقوت حتى أدخل الجنة.
فهذا الخبر يدل على أن حواء خلقت قبل إدخاله الجنة، والخبر الأول دل على أنها خلقت في الجنة والله أعلم بحقيقة الحال. ثم هذه الجنة كانت في الأرض أو في السماء؟ وعلى تقدير كونها في السماء هي دار الثواب أم جنة أخرى؟ فقال أبو القاسم البلخي وأبو مسلم الأصفهاني: هي في الأرض وحملا الهبوط على الانتقال من بقعة إلى بقعة كما في قوله تعالى اهْبِطُوا مِصْراً [البقرة: ٦١] قالا: لأن دار الثواب للخلد ولو كان في جنة الخلد لما لحقه الغرور من إبليس بقوله هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى [طه: ١٢] ولأن من دخل هذه الجنة لا يخرج منها لقوله تعالى وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ [الحجر: ٤٨] ولأن إبليس بعد أن غضب الله عليه كيف يقدر أن يصل إلى جنة الخلد، ولأن دار الجزاء يدخل المكلف فيها بعد العمل ولا عمل لآدم وقتئذ، ولأنه تعالى خلقه في الأرض ولم يذكر نقله إلى السماء ولو كان قد نقله لكان ذكره أولى، لأن ذلك النقل من أعظم النعم. وقال الجبائي: هي في السماء السابعة، اهبط منها إلى السماء الدنيا، ثم منها إلى الأرض. وقال الجمهور: هي دار الثواب والدليل عليه أن اللام في الجنة ليست للعموم، لأن السكنى في جميع الجنان محال فهي للعهد، ولا معهود بين المسلمين إلا دار الثواب، فوجب صرف اللفظ إليها. واسكن أمر من السكنى، والسكنى من السكون لأنها نوع من اللبث والاستقرار. و «أنت» تأكيد للمستكنّ في «اسكن» ليصح العطف عليه. ورَغَداً وصف للمصدر أي أكلا رغدا واسعا رافها وحَيْثُ
(١) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ١. مسلم في كتاب الرضاع حديث ٦١، ٦٢. الدارمي في كتاب النكاح باب ٣٥. أحمد في مسنده (٥/ ٨) .