للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقت للابتلاء والامتحان ولكي يتوصل بها المكلفون إلى السعادات المدخرة لهم في الآخرة وهي دار الخلود. وبوجه آخر لما فرغ من دلائل الآفاق شرع في دلائل الأنفس فقال:

وَما جَعَلْنا الآية، عن مقاتل أن ناسا كانوا يقولون إن محمدا لا يموت فنزلت وقيل:

لعلهم ظنوا أنه لو مات لتغير الشرع وهذا ينافي كونه خاتم الأنبياء، فبين الله سبحانه أن حاله كحال من تقدمه من الأنبياء في المفارقة من دار الدنيا. والأكثرون على أن سبب النزول هو أنهم كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون بموته فنفى الله عنه الشماتة لهذه وفي معناه قول القائل:

فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا.

قوله كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ قد تقدم في آخر آل عمران تفسيره.

قوله وَنَبْلُوكُمْ أي نعاملكم معاملة المختبر بما نسوق إليكم من الشرور والخيرات فيظهر عندهما صبركم وشكركم. وقدم الشر لأن الموت من باب الشرور في نظر أهل الظاهر. وفِتْنَةً مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه. وحين أثبت الموت الذي هو الفراق عن دار التكليف بين بقوله وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ أن الجزاء على الأعمال ثابت مرئي البتة بعد المفارقة. استدلت المجسمة بقوله وَإِلَيْنا أنه تعالى جسم ليمكن الرجوع إلى حيث هو، والتناسخية بأن الرجوع مسبوق بالكون في المكان المرجوع إليه، وجواب الأولين أنه أراد الرجوع إلى حيث لا حكم إلا له، وجواب الآخرين التسليم لكنه لا يفيد مطلوبهم لأن الرجوع إلى المبدأ غير الرجوع إلى دار الدنيا، واعلم أن مثل هذه الآية سيجيء في سورة العنكبوت إلا أنه قال هناك ثُمَّ إِلَيْنا ولم يذكر قوله وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً فكأن هذه الفاصلة قامت مقام التراخي في «ثم» .

قال السدي ومقاتل: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي جهل وأبي سفيان فقال أبو جهل لأبي سفيان: هذا نبي بني عبد مناف. فقال أبو سفيان: وما تنكر أن يكون نبيا في بني عبد مناف! فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قولهما فقال لأبي جهل: ما أراك تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت ما قلت حمية فأنزل الله تعالى وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ

أي ما يتخذونك إِلَّا هُزُواً ثم فسر ذلك بقوله أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ والذكر أعم من أن يكون بالخير أو بالشر إلا أنه إذا كان من العدو يفهم منه الذم لا الثناء، والمعنى أنه يبطل معبوديتها وينكر عبادتها ويقبح أمرها ثم بين غاية جهالتهم وتعكيس قضيتهم بقوله وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ قدم الجار والمجرور وكرر الضمير ليفيد أنهم عاكفون هممهم على ذكر آلهتهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>