معلوم لهم فإن مجيء الساعة مخفي عن المكلفين ليكونوا أقرب إلى تلافي الذنوب فقال بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ قال جار الله: أي لا يكفونها بل تفجؤهم فتغلبهم. قلت: فائدة «بل» في هذه المقامات للانتقال من جملة إلى أخرى أهم من الأولى، ويحتمل أن تكون «لو» لظاهر التمني والضمير للنار. وقيل: للساعة. وفي قوله وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ تذكير بإمهالهم في دار الدنيا أي ثم يهلكون بعد طول الإمهال. ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ الآية. وقد مرت في أول الأنعام. ولما بين أن الكفار في الآخرة لا يكفون عن وجوههم النار ذكر أنهم في الدنيا أيضا مفتقرون إلى حراسة الله وكلاءته فقال قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إذا نمتم وَالنَّهارِ إذا تقلبتم في وجوه المصالح مِنَ الرَّحْمنِ أي من بأسه وعذابه كالقتل والسبي ونحوهما. قيل: إنما خص الرحمن بالذكر تلقينا للجواب حتى يقول العاقل أنت الكالئ يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك ونظيره ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الإنفطار: ٦] ثم أضرب عن الأمر بالاستفهام قائلا بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ لا يخطرونه ببالهم فضلا أن يخافوا بأسه كأنه أمر رسوله بسؤالهم عن الكالئ، ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم. أما قوله أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ فذكر في الكشاف أنه إضراب عن الكلام السابق بما في «أم» من معنى «بل» . وقال غيره: الميم زائدة وإنه استفهام مستأنف والتقدير ألهم آلهة تمنعهم من دوننا من العذاب، ومعنى مِنْ دُونِنا أن تلك الآلهة لا تتجاوز منعنا وحفظنا ثم استأنف فقال لا يَسْتَطِيعُونَ ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي تلك الآلهة ليست تقدر على نصر أنفسها فكيف تحفظ غيرها وتنصرها.
وقوله وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قال المازني: هو من أصحبت الرجل إذا منعته. والأكثرون على أنه من الصحبة بمعنى النصرة والمعونة ومنه قولهم «صحبك الله» . والحاصل أن من لا يكون قادرا على دفع الآفات ولا يكون مصحوبا من الله بالإعانة والنصرة كيف يتوقع منه دفع ضر أو جلب نفع! ولما أبطل كون الأصنام نافعة أضرب عن ذلك منتقلا إلى بيان أن ما هم فيه من الحفظ والكلاءة والتمتع بالحياة العاجلة هو من الله لا من مانع يمنعهم من الإهلاك ولا من ناصر يعينهم على أسباب التمتع سوى الله. وفي قوله حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ إشارة إلى أنه لما امتدت أيام الروح والطمأنينة حسبوا أن ذلك لن يزول عنهم فاغتروا به ونسوا المنعم فاستأهلوا العقاب كما أشار إليه بقوله أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وفي لفظ الإتيان تصوير ما كان الله يجريه على أيدي المسلمين الذين هم حزب الله من نقص ديار الكفر وتخريبها وعمارة حوزة الإسلام وتشييد مبانيه وقد مر مثله في آخر سورة الرعد. والاستفهام في قوله أَفَهُمُ الْغالِبُونَ للتقرير أي لنحن الغالبون وهم المغلوبون.