للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منكم فأغيثوه وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه فخلوا بيني وبينه. فلما أرادوا إلقاءه في النار أتاه خازن الرياح وقال: إن شئت طيرت النار في الهواء فقال إبراهيم: لا حاجة لي إليك. ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل.

وروي أنه قال: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك. ثم أتاه جبرائيل في الهواء فقال: يا إبراهيم هل لك من حاجة؟ قال: أما إليك فلا. قال: فسل ربك. قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي: فأرسل الله ملائكة أخذوا بضبعيه وأقعدوه في الأرض، فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس ولم تحرق النار منه إلا وثاقه. وأتاه جبرائيل بقميص من حرير الجنة وقال: يا إبراهيم إن ربك يقول: أما علمت أن النار لا تضر أحبائي. قال المنهال بن عمرو: أخبرت أن إبراهيم مكث في النار أربعين يوما أو خمسين. وقال: ما كنت أياما أطيب عيشا مني إذ كنت فيها قلت: وذلك لاستغراقه في بحر الفيوض والآثار الربانية ولو لم يكن فيه إلا القرب من لطف خليله والبعد من قهر عدوه لكفى. ثم نظر نمرود من صرح له مشرف على إبراهيم فرآه جالسا في روضة ومعه جليس له من الملائكة والحطب يحترق حواليه فناداه يا إبراهيم: هل تستطيع أن تخرج منها؟ قال: نعم. فقام يمشي حتى خرج.

فقال نمرود: إني مقرب إلى ربك قربانا فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم، وكان إبراهيم عليه السلام إذ ذاك ابن ست عشرة سنة.

قال العلماء: اختاروا العقاب بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه ولهذا

جاء في الحديث «لا يعذب في النار إلا خالقها» «١»

ومن ثم قالوا وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا قويا فاختاروا له أشد العقاب وهو الإحراق وإلا كنتم مقصرين في نصرتها قُلْنا عن السدي أن القائل هو جبرائيل عليه السلام والأكثرون على أنه سبحانه. وذهب أبو مسلم الأصفهاني إلى أنه لا قول هناك بل أراد به الجعل لأن النار جماد فلا فائدة في خطابه. ويمكن أن يجاب بأن الله قادر على أن يخلق لها فهما يصح به التخاطب، ولو سلم فلعل في ذلك الخطاب مصلحة للملائكة. والظاهر أن قوله يا نارُ خطاب لتلك النار المخصوصة فإن الغرض يتعلق ببردها فقط وفي النار منافع للخلائق، فلا يحسن من الكريم إبطالها. وقيل: المذكور اسم الماهية فلا بد من حصول البرد في تلك الماهية أينما وجدت، ويناسبه رواية مجاهد عن ابن


(١) رواه أبو داود في كتاب الأدب باب ١٦٤. الدارمي في كتاب السير باب ٢٣. بلفظ «لا ينبغي أن يعذب بالنار إلّا رب النار» .

<<  <  ج: ص:  >  >>