للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو دعاؤه على قومه بنحو قوله رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر: ١٠] . وقوله رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] بدليل قوله فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أي أهل دينه وهم من معه في الفلك مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وهو الطوفان وما كان فيه من تكذيب قومه وإيذائهم. وفي لفظ الكرب وهو الغم الذي يأخذ بالنفس، ثم وصفه بالعظم إشعار بأنه عليه السلام لقي من قومه أذى شديدا لا يكتنه كنهه. ثم زاده بيانا بقوله وَنَصَرْناهُ الآية. تقول: نصرته منه فانتصر إذا جعلته منتصرا منه أي منتقما. وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي شأن الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ ظرف ل يَحْكُمانِ وهو حكاية حال ماضية. قال ابن السكيت. النفش بالتحريك أن ينتشر الغنم بالليل من غير راع وعليه جمهور المفسرين. وعن الحسن: إنه يكون ليلا ونهارا. وليس في قوله وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ دلالة على أن أقل الجمع اثنان لاحتمال أنه أرادهما والمتحاكمين إليهما. والضمير في فَفَهَّمْناها للحكومة أو الفتوى.

ويروى أنه دخل رجلان على داود عليه السلام أحدهما صاحب حرث. أي زرع. وقيل كرم- والآخر صاحب غنم. فقال صاحب الحرث: إن غنم هذا دخلت حرثي وأكلت منه شيئا. فقال داود: اذهب فإن الغنم لك. فخرجا فمرا على سليمان وهو ابن إحدى عشرة سنة فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه. فقال: لو كنت أنا القاضي لقضيت بغير هذا. فأخبر بذلك أبوه فدعاه وقال: كيف كنت تقضي بينهما؟ قال:

أدفع الغنم إلى صاحب الحرث فتكون له منافعها من الدر والنسل والوبر حتى إذا عاد الحرث من العام القابل كهيئته يوم أكل دفعت الغنم إلى أهلها وقبض صاحب الحرث حرثه.

قال أبو بكر الأصم: الحكمان واحد لأن الثاني بيان للأول. والمشهور عن الصحابة ومن بعدهم أنهما متغايران لقوله وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ ولقوله: فَفَهَّمْناها والفاء للتعقيب فدل على أنه فهم حكما خلاف الأول. وعلى تقدير الاختلاف فهما بالوحي أو بالاجتهاد، فيه خلاف بين العلماء، فمنهم من لم يجوز الاجتهاد على الأنبياء أصلا كالجبائي لقوله: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: ٣] إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ [الأنعام: ٥٠] ولأن النبي قادر على تحصيل حكم الواقعة بالنص، ولأن مقتضى الاجتهاد مظنون وخلاف المظنون لا يوجب الكفر وخلاف الرسول يوجب الكفر، ولما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوقف في بعض الأحكام انتظارا للوحي ولو جاز له الاجتهاد لم يتوقف، ولأنه لو جاز على النبي لجاز على جبرائيل أيضا وحينئذ يرتفع الأمان عن الوحي فلعل هذه الشرائع من مجتهدات جبرائيل. وأجيب بأنه إذا أوحي إليه جواز الاجتهاد له صح قوله: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: ٣- ٤] وبأن الحكم الحاصل عن الاجتهاد مقطوع لا مظنون لأنه تعالى إذا قال له

<<  <  ج: ص:  >  >>