يونس بن متى. فإنه قويّ أمين. فدعاه الملك وأمره أن يخرج فقال له يونس: هل أمرك الله بإخراجي؟ قال: لا. قال: فههنا أنبياء غيري فألحوا عليه فخرج مغاضبا للملك ولقومه فأتى بحر الروم فوجد قوما هناك وسفينة فركب معهم فاضطربت السفينة حتى كادوا أن يغرقوا فقال الملاحون: هاهنا رجل عاص أو عبد آبق لأن السفينة لا تفعل هذا من غير ريح، إلا وفيها رجل عاص، ومن عادتنا في مثل هذا البلاء أن نقترع فمن خرجت له القرعة ألقيناه في البحر حتى تسلم السفينة. فاقترعوا ثلاث مرات فوقعت القرعة كلها على يونس. فقال: أنا الرجل العاصي والعبد الآبق وألقى نفسه في البحر فابتلعه حوت، فأوحى الله تعالى إلى الحوت لا تؤذ منه شعرة فإني جعلت بطنك سجنا له ولم أجعله طعاما لك. ثم نجاه الله من بطن الحوت فنبذه بالعراء كالفرخ المنتوف ليس عليه شعر ولا جلد، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين يستظل بها ويأكل من ثمرتها حتى اشتد، فلما يبست الشجرة حزن عليها يونس فقيل له: أتحزن على شجرة ولم تحزن على مائة ألف أو يزيدون حيث لم تذهب إليهم ولم تطلب سلامتهم؟. فتوجه يونس نحوهم حتى دخل أرضهم وهم منه غير بعيد فقال لملكهم: إن الله أرسلني إليك لترسل معي بني إسرائيل. فقالوا: ما نعرف ما تقول ولو علمنا أنك صادق لفعلنا ولقد أتيناكم في دياركم وسبيناكم، فلو كان كما تقول لمنعنا الله منكم. فطاف فيهم ثلاثة أيام يدعوهم إلى ذلك فأبوا عليه فأوحى الله إليه قل لهم: إن لم تؤمنوا جاءكم العذاب. فأبلغهم فأبوا فخرج من عندهم فلما فقدوه ندموا على فعلهم فانطلقوا يطلبونه فلم يقدروا عليه. فقال علماؤهم: اطلبوه فإن كان في المدينة فليس ما ذكره بشيء، وإن كان قد خرج فهو كما قال. فطلبوه فلم يجدوه، فلما أيسوا أغلقوا باب مدينتهم فلم يدخلها بقرهم وغنمهم وعزلوا الوالدة عن ولدها وكذا الصبيان والأمهات، فلما طلع الصبح رأوا العذاب ينزل من السماء فشقوا جيوبهم ووضعت الحوامل ما في بطونها وصاح الصبيان وثغت المواشي فرفع الله عنهم فبعثوا إلى يونس وآمنوا به وبعثوا معه بني إسرائيل.
القول الثاني وعليه أكثر المفسرين: أن قصة الحوت كانت بعد دعائه أهل نينوى وتبليغه رسالة الله إليهم كما مر في سورة يونس. واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بهذه القصة من وجوه: الأوّل أنه ذهب مغاضبا لربه هكذا فسره ابن عباس وابن مسعود والحسن والشعبي وسعيد وابن جبير ووهب واختاره ابن قتيبة ومحمد بن جرير، ومن المعلوم أن مغاضبة الله من أعظم الذنوب. ولئن سلم أنه كان مغاضبا لقومه فذلك أيضا محظور لأنه كان يجب أن يصبر معهم. الثاني قوله فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ وهو شك في قدرة الله. الثالث:
اعترافه بأنه من الظالمين والظلم من صفات الذم. الرابع: إخبار الله تعالى في موضع آخر