بطن الحوت وبسبب خطيئته وَكما أنجينا يونس من كرب الحبس إذ دعانا كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ من كل كرب إذا استغاثوا بنا.
عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له» .
وعن الحسن: ما نجاه والله إلا إقراره على نفسه بالظلم. وقد بقي في الآية بحث لفظي وهو أن بعض أهل العربية غلطوا عاصما في قراءته نجي بالتشديد والنون لا تدغم في الجيم. واستخرج بعضهم له وجها وهو أن يكون نجي فعلا ماضيا مجهولا من التنجية لكنه أرسل الياء وأسند الفعل إلى المصدر المضمر ونصب المؤمنين بذلك المصدر أي نجى نجاء المؤمنين كقولك «ضرب الضرب زيدا» ثم ضرب زيدا على إضمار المصدر، وأنشد ابن قتيبة حجة لهذه القراءة:
ولو ولدت فقيرة جرو كلب ... لسب بذلك الجرو الكلابا
وقال أبو علي الفارسي وغيره من الأئمة المحققين: إن مثل هذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر وإنما الوجه الصحيح في قراءة عاصم أن يحمل ذلك على الإخفاء، فلعل الراوي التبس عليه فظنه إدغاما. ثم بين انقطاع زكريا وتبتله إليه رغبة فيمن يؤنسه ويعينه في أمر دينه ودنياه وإن انتهى الحال به وبزوجته في الكبر إلى حد اليأس من ذلك عادة. وفي قوله وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ وجهان: أحدهما أنه ثناء على الرب بأن مآل كل الأمور إليه فيكون مؤكدا لما فوض إليه أمر الولد. والثاني أنه أراد إن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي فإنك خير وارث. وفي إصلاح زوجه وجوه: منها أنها جعلت صالحة للولادة بعد عقرها.
ومنها أنها جعلت حسنة الخلق وكانت سيئة الخلق، ولا شك أن حسن خلق الزوج نعمة عظيمة. ومنها أن الإصلاح يتعلق بأمر الدين كأنه سأل ربه المعونة على الدين والدنيا بالولد والأهل جميعا. ويرد على الوجه الأول أن إصلاح الزوج مقدم على هبة الولد، والجواب أن الواو لا تفيد الترتيب أو أراد بالهبة إرادة الهبة. أما الضمير في قوله إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ فقد قيل: إنه عائد إلى زكريا وولده وأهله. وقال جار الله: إنه للمذكورين من الأنبياء عليهم السلام يريد أنهم ما استحقوا الإجابة إلى طلباتهم إلا لمسارعتهم في تحصيل الخيرات، وهذا من أجلّ ما يمدح به المؤمن لأنه يدل على الجد والرغبة في الطاعة.
وَيَدْعُونَنا رَغَباً في ثوابنا وَرَهَباً عن عقابنا. ومعنى خاشِعِينَ قال الحسن: ذللا لأمر الله. وقيل: متواضعين. وعن مجاهد: الخشوع الخوف الدائم في القلب. وفي تقديم الجار والمجرور على خاشِعِينَ إشارة إلى أنهم لا يخشون أحدا إلا الله. وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه الذي إذا أرخى ستره وأغلق بابه رأى الله منه خيرا ليس هو الذي يأكل خشبا أي علقا ويلبس خشنا ويطأطىء رأسه. ولما فرغ من ذكر الرجال الكاملين ذكر من هي