للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا سائلي عن رسول الله كيف سها ... والسهو من كل قلب غافل لاهي

قد غاب عن كل شيء سره فسها ... عما سوى الله فالتعظيم لله.

فشغل الأدبي عن الأرفع هو المذموم، وأما الشغل بالأرفع عن الأدنى فمحمود. قالوا في الأفعال وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه: ١٢١] والعصيان يوجب الوعيد وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ [الجن: ٢٣] والغي ضد الرشد قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: ٢٥٦] ، ثم إنه تاب والتوبة دليل الذنب، وإنه ظالم لقوله فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ والظالم ملعون أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: ١٨] وأنه أخرج من الجنة، وكل هذه دليل ارتكاب الكبيرة. والجواب، المنع من أن هذه الأمور كانت بعد النبوة. ثم لنفرض أنه صدر ذلك الفعل عن آدم بعد النبوة، فإقدامه عليه إما أن يكون في حال كونه ناسيا، أو في حال كونه ذاكرا، الذاهبون إلى الأول وهم طائفة من المتكلمين احتجوا بقوله فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٥] ومثلوه بالصائم يغفل عن صومه فيأكل في أثناء ذلك السهو عن قصد. قيل عليه إن قوله ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ [الأعراف: ٢٠] وقوله وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: ٢١] يدل على أنه ما نسي

وروي عن ابن عباس أنهما لما أكلا منها وبدت لهما سوآتهما، خرج آدم فتعلقت به شجرة من شجر الجنة فحبسته فناداه الله تعالى: أفرارا مني؟ فقال: بل حياء منك. فقال له: أما كان فيما منحتك من الجنة مندوحة مما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب، ولكن وعزتك ما كنت أرى أحدا يحلف بك كاذبا، فقال: وعزتي لأهبطنك منها ثم لا تنال العيش إلا نكدا.

وأيضا لو كان ناسيا لما عوتب عليه لأنه قادر على تركه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، رفع القلم عن ثلاث. وأجيب بالمنع من أن إقدامه على ذلك الفعل إنما وقع عقيب قول إبليس، لأنه كان عالما بتمرد إبليس عن سجوده وكونه عدوا له ولزوجه، ولأنهما لو صدقاه لكانت المعصية في تصديقه أعظم من أكل الشجرة، لأنه ألقى إليهما سوء الظن بالله وأنه ناصح والرب غاش. وما روي عن ابن عباس فهو من باب الآحاد ولا يلزم من رفع النسيان عن هذه الأمة رفعه عن غيرهم، بل لا يلزم من رفعه عن الأمة رفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم

«أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل» «١»

«إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم» «٢»

وقيل: إن حواء


(١) رواه الترمذي في كتاب الزهد باب ٥٧. البخاري في كتاب المرضى باب ٣. ابن ماجه في كتاب الفتن باب ٢٣. الدارمي في كتاب الرقاق باب ٦٧. أحمد في مسنده (١/ ١٧٢) .
(٢) رواه البخاري في كتاب المرضى باب ٣، ١٣، ١٦. مسلم في كتاب البر حديث ٤٥. الدارمي في كتاب الرقاق باب ٥٧. أحمد في مسنده (١/ ٣٨١، ٤٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>